بعض الرّاسخين في العلم، ويخفى على من دونهم، وهو الضّرب المشار إليه بقوله عليه السلام في عليّ رضي الله عنه: «اللهمّ فقّهه في الدّين وعلّمه التّأويل» «١»، وقوله لابن عبّاس مثل ذلك «٢». وإذ عرفت هذه الجملة علم أنّ الوقف على قوله: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران/ ٧]، ووصله بقوله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران/ ٧] جائز، وأنّ لكلّ واحد منهما وجها حسبما دلّ عليه التّفصيل المتقدّم «٣». وقوله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً [الزمر/ ٢٣]، فإنّه يعني ما يشبه بعضه بعضا في الأحكام، والحكمة واستقامة النّظم. وقوله: وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ
«٤» أي: مثّل لهم من حسبوه إيّاه، والشَّبَهُ من الجواهر: ما يشبه لونه لون الذّهب.
شتت
الشَّتُّ: تفريق الشّعب، يقال: شَتَّ جمعهم شَتّاً وشَتَاتاً، وجاؤوا أَشْتَاتاً، أي: متفرّقي النّظام، قال: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً [الزلزلة/ ٦]، وقال: مِنْ نَباتٍ شَتَّى
[طه/ ٥٣]، أي: مختلفة الأنواع، وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر/ ١٤]، أي: هم بخلاف من وصفهم بقوله: وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال/ ٦٣].
و (شَتَّانَ) : اسم فعل، نحو: وشكان، يقال:
شتّان ما هما، وشتّان ما بينهما: إذا أخبرت عن ارتفاع الالتئام بينهما.
شتا
قال عزّ وجل: رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ
[قريش/ ٢]، يقال: شَتَّى وأَشْتَى، وصاف وأصاف، والْمَشْتَى والْمَشْتَاةَ للوقت، والموضع، والمصدر، قال الشاعر:
٢٥٩-
نحن في المشتاة ندعو الجفلى
«٥»

(١) لم أجده، لكن جاء عن عليّ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى اليمن لأقضي بينهم، فقلت: يا رسول الله لا علم لي بالقضاء، فضرب بيده على صدري، وقال: «اللهم اهد قلبه، وسدد لسانه». أخرجه النسائي في تهذيب خصائص عليّ بن أبي طالب ص ٤٣، وهو ضعيف.
(٢) الحديث عن ابن عباس أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال: «من وضع هذا» ؟ فأخبر فقال:
«اللهم فقهه في الدين». أخرجه البخاري في باب وضع الماء عند الخلاء ١/ ٢٢٤.
وقال ابن حجر: وهذه اللفظة اشتهرت على الألسنة: «اللهم فقهه في الدين، وعلّمه التأويل» حتى نسبها بعضهم للصحيحين ولم يصب، والحديث عند أحمد بهذا اللفظ، وعند الطبراني من وجهين آخرين. انظر فتح الباري ٧/ ١٠٠ فضائل ابن عباس، ومسند أحمد ١/ ٢٦٦، ومجمع الزوائد ٩/ ٢٧٩.
(٣) ما بين [] نقله السيوطي بطوله في الإتقان ٢/ ٦.
(٤) سورة النساء: آية ١٥٧. وقد نقل أكثر هذا الباب الفيروزآبادي حرفيا في البصائر ٣/ ٢٩٤- ٢٩٧.
(٥) هذا شطر بيت لطرفة، وعجزه:
لا ترى الآدب فينا ينتقر
وهو في ديوانه ص ٥٥، واللسان (جفل). والجفلى: أن تدعو الناس إلى طعامك عامة، والنقرى: أن تدعو الخاصة.


الصفحة التالية
Icon