مَشْرَبَهُمْ
[البقرة/ ٦٠]. والشَّرِيبُ: الْمُشَارِبُ والشَّرَابُ، وسمّي الشّعر الذي على الشّفة العليا، والعرق الذي في باطن الحلق شاربا، وجمعه: شَوَارِبُ، لتصوّرهما بصورة الشّاربين، قال الهذليّ في صفة عير:
٢٦٣-
صخب الشّوارب لا يزال كأنه
«١» وقوله تعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ
[البقرة/ ٩٣]، قيل: هو من قولهم: أَشْرَبْتُ البعير أي: شددت حبلا في عنقه، قال الشاعر:
٢٦٤-

فأشربتها الأقران حتى وقصتها بقرح وقد ألقين كلّ جنين
«٢» فكأنّما شدّ في قلوبهم العجل لشغفهم، وقال بعضهم «٣» : معناه: أُشْرِبَ في قلوبهم حبّ العجل، وذلك أنّ من عادتهم إذا أرادوا العبارة عن مخامرة حبّ، أو بغض، استعاروا له اسم الشّراب، إذ هو أبلغ إنجاع في البدن «٤»، ولذلك قال الشاعر:
٢٦٥-
تغلغل حيث لم يبلغ شَرَابٌ ولا حزن ولم يبلغ سرور
«٥» ولو قيل: حبّ العجل لم يكن له المبالغة، [فإنّ في ذكر العجل تنبيها أنّ لفرط شغفهم به صارت صورة العجل في قلوبهم لا تنمحي] «٦» وفي مثل: أَشْرَبْتَنِي ما لم أشرب «٧»
، أي:
ادّعيت عليّ ما لم أفعل.
شرح
أصل الشَّرْحِ: بسط اللّحم ونحوه، يقال:
شَرَحْتُ اللّحم، وشَرَّحْتُهُ، ومنه: شَرْحُ الصّدر أي: بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله وروح منه. قال تعالى: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي
[طه/ ٢٥]، وقال: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح/ ١]، أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ [الزمر/ ٢٢]، وشرح المشكل من الكلام: بسطه وإظهار ما يخفى من معانيه.
شرد
شَرَدَ البعير: ندّ، وشَرَّدْتُ فلانا في البلاد، وشَرَّدْتُ به أي: فعلت به فعلة تُشَرِّدُ غيره أن يفعل فعله، كقولك: نكّلت به: أي: جعلت ما فعلت به نكالا لغيره. قال تعالى: فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ
(١) شطر بيت للهذلي، وقد تقدّم عجزه في مادة (سبع). وهو في مجمع البلاغة للراغب ١/ ١٠٥.
(٢) البيت لأحد اللصوص من بني أسد.
وهو في البصائر ٣/ ٣٠٥، ومعجم البلدان ٤/ ٣٢١، واللسان وعمدة الحفاظ: شرب.
وقرح: سوق وادي القرى.
(٣) هو الفرّاء في معاني القرآن ١/ ٦١.
(٤) في مخطوطتي المحمودية: أبلغ منجاع.
(٥) البيت لعبيد بن عبد الله بن عتبة، أحد فقهاء المدينة، وهو في البصائر ٣/ ٣٠٦، وشرح الحماسة للتبريزي ٣/ ٢٩٨، ومجمع البلاغة ١/ ٤٧٩.
(٦) ما بين [] نقله الزركشي في البرهان ٣/ ١٤٨.
(٧) انظر: المجمل ٢/ ٥٢٨.


الصفحة التالية
Icon