تعالى: وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ
[التوبة/ ٣٢]، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة/ ٣٣]، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ
[الأنفال/ ٥]، وقوله: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات/ ١٢] تنبيه أنّ أكل لحم الأخ شيء قد جبلت النّفس على كَرَاهَتِهَا له وإن تحرّاه الإنسان، وقوله: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً [النساء/ ١٩] وقرئ:
كرها «١»، والإِكْرَاهُ يقال في حمل الإنسان على ما يكرهه، وقوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ [النور/ ٣٣] فنهي عن حملهنّ على ما فيه كَرْهٌ وكُرْهٌ، وقوله: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ
[البقرة/ ٢٥٦] فقد قيل: كان ذلك في ابتداء الإسلام، فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب وإلّا ترك «٢».
والثاني: أنّ ذلك في أهل الكتاب، فإنّهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشّرائط تركوا «٣».
والثالث أنه لا حكم لمن أكره على دين باطل فاعترف به ودخل فيه، كما قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل/ ١٠٦].
الرابع: لا اعتداد في الآخرة بما يفعل الإنسان في الدّنيا من الطاعة كرها، فإنّ الله تعالى يعتبر السّرائر ولا يرضى إلّا الإخلاص، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «الأعمال بالنّيّات» «٤»، وقال: «أخلص يكفك القليل من العمل» «٥».
الخامس: معناه لا يحمل الإنسان على أمر مَكْرُوهٍ في الحقيقة مما يكلّفهم الله بل يحملون على نعيم الأبد، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «عجب ربّكم من قوم يقادون إلى الجنّة بالسّلاسل» «٦».
السادس: أنّ الدّين الجزاء. معناه: أنّ الله ليس بِمُكْرَهٍ على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء.
وقوله: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ إلى قوله:

(١) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص ١٨٨.
(٢) ويؤيد هذا ما أخرجه ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف، يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبيّ صلّى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما؟ فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل الله فيه ذلك. انظر: الدر المنثور ٢/ ٢١، وتفسير الطبري ٣/ ١٤.
(٣) وهذا مروي عن ابن عباس أيضا، وأخرجه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم.
(٤) الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في بدء الوحي ١/ ٧، ومسلم في الإمارة برقم (١٩٠٧)، وغيرهما.
(٥) الحديث عن معاذ بن جبل أنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن: أوصني. قال: «أخلص دينك يكفك العمل القليل» أخرجه الحاكم في الرقاق ٤/ ٣٠٦، وقال: صحيح الإسناد، ولم يوافقه الذهبي، وأبو نعيم في الحلية ١/ ٢٤٤. وقال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ، وإسناده منقطع. انظر: تخريج أحاديث الإحياء ٦/ ٢٤٠٦.
(٦) الحديث تقدّم في مادة (سلّ).


الصفحة التالية
Icon