قد يحتاج إلى القيام إليها من لذيذ النّوم، ولهذا زيد في أذانه: (الصّلاة خير من النّوم) «١»، ومن قال: صلاة العصر «٢» فقد روي ذلك عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم «٣»، فلكون وقتها في أثناء الأشغال لعامّة الناس بخلاف سائر الصلوات التي لها فراغ، إمّا قبلها، وإمّا بعدها، ولذلك توعّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلم فقال: «من فاته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله» «٤».
وسع
السَّعَةُ تقال في الأمكنة، وفي الحال، وفي الفعل كالقدرة والجود ونحو ذلك. ففي المكان نحو قوله: إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ
[العنكبوت/ ٥٦]، أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً [النساء/ ٩٧]، وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ [الزمر/ ١٠] وفي الحال قوله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ
[الطلاق/ ٧] وقوله: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ
[البقرة/ ٢٣٦] والوُسْعُ من القدرة: ما يفضل عن قدر المكلّف. قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
[البقرة/ ٢٨٦] تنبيها أنه يكلّف عبده دوين ما ينوء به قدرته، وقيل: معناه يكلّفه ما يثمر له السَّعَة. أي: جنّة عرضها السّموات والأرض كما قال: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة/ ١٨٥] وقوله: وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً
[الأعراف/ ٨٩] فوصف له نحو: أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق/ ١٢] وقوله: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ
[البقرة/ ٢٦٨]، وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً
[النساء/ ١٣٠] فعبارة عن سَعَةِ قدرته وعلمه ورحمته وإفضاله كقوله: وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً
[الأنعام/ ٨٠] وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ
[الأعراف/ ١٥٦]، وقوله: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ
[الذاريات/ ٤٧] فإشارة إلى نحو
(٢) وهو قول أكثر العلماء. وقاله من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية، وهو الصحيح عند الحنفية والحنابلة، وذهب إليه أكثر الشافعية.
انظر: الزرقاني ١/ ٢٨٦، وفتح الباري ٨/ ١٩٤.
(٣) ففي الحديث أنه صلّى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: «شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا».
انظر: فتح الباري في التفسير ٨/ ١٩٥، ومسلم في المساجد رقم ٦٢٧.
(٤) أخرجه الشيخان عن ابن عمر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّ الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله». انظر: فتح الباري في المواقيت ٢/ ٢٤، ومسلم في المساجد رقم ٦٢٦، ومالك في الموطأ ١/ ١١، وغيرهم.