احتراما له وتوقيرا وتبجيلا، وعبادة منكم لربكم، وطاعة ومحبة وذلا؛ فبادروا كلهم أجمعون، فسجدوا وكان إبليس بينهم، وقد وجه إليه الأمر بالسجود معهم، وكان من غير عنصر الملائكة؛ كان من الجن المخلوقين من نار السموم، وكان مبطنا للكفر بالله، والحسد لهذا الإنسان الذي فضله الله هذا التفضيل؛ فحمله كبره وكفره على الامتناع عن السجود لآدم كفرا بالله واستكبارا، ولم يكفه الامتناع حتى باح بالاعتراض على ربه، والقدح في حكمته، فقال:
﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢]
فقال الله له: ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ [ص: ٧٥]
فكان هذا الكفر والاستكبار والإباء منه وشدة النفار هو السبب الوحيد أن يكون مطرودا ملعونا، فقال الله له:
﴿فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٣]
فلم يخضع الخبيث لربه، ولم يتب إليه، بل بارزه بالعداوة، وصمم التصميم التام على عداوة آدم وذريته، ووطن نفسه لما علم أنه حتم عليه الشقاء الأبدي أن يدعو الذرية بقوله وفعله وجنوده إلى أن يكونوا من حزبه الذين كتبت لهم دار البوار، فقال:
﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر: ٣٦]
فيتفرغ لإعطاء العداوات حقها في آدم وذريته.
ولما كانت حكمة الله اقتضت أن يكون الآدمي مركبا من طبائع متباينة،


الصفحة التالية
Icon