الجنة، فحرمها عليهما، فقال: ﴿فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٩]
وقال الله لآدم في تمتيعه بهذه الجنة: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى - وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٨ - ١١٩]
فمكثا في الجنة ما شاء الله على هذا الوصف الذي ذكره الله، وعدوهما يراقبهما ويراصدهما، وينظر الفرصة فيهما، فلما رأى سرور آدم بهذه الجنة، ورغبته العظيمة في دوامها، جاءه بطريق لطيف في صورة الصديق الناصح، فقال: يا آدم، هل أدلك على شجرة إذا أكلت منها خلدت في هذه الجنة ودام لك الملك الذي لا يبلى؟ فلم يزل يوسوس ويزين ويسول ويعد ويمني ويلقي عليهما من النصائح الظاهرة، وهي أكبر الغش حتى غرهما، فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها وحرمها عليهما، فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما بعدما كانا مستورين، وطفقا يخصفان على أنفسهما من أوراق تلك الجنة، أي: يلزقان على أبدانهما العارية؛ ليكون بدل اللباس، وسقط في أيديهما، وظهرت في الحال عقوبة معصيتهما، وناداهما ربهما:
﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ٢٢]
فأوقع الله في قلبيهما التوبة التامة، والإنابة الصادقة.
﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ [البقرة: ٣٧]
وقالا: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣]
فتاب الله عليهما، ومحا الذنب الذي أصابا، ولكن الأمر الذي حذرهما