فأشار إلى الصنم الذي لم يكسره فقال:
﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣]
ومعلوم أن غرضه إلزامهم بالحجة، وقد حصلت.
فهنا يسهل علينا فهم معنى قوله: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦] أي: إن كان يستحق الإلهية بعد النظر في حالته ووصفه فهو ربي، مع أنه يعلم العلم اليقيني أنه لا يستحق من الربوبية والإلهية مثقال ذرة، ولكن أراد أن يلزمهم بالحجة:
﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ [الأنعام: ٧٦]
أي: غاب ﴿قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ [الأنعام: ٧٦]
فإن من كان له حال وجود وعدم، أو حال حضور وغيبة، قد علم كل عاقل أنه ليس بكامل، فلا يكون إلها، ثم انتقل إلى القمر، فلما رآه بازغا: ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ [الأنعام: ٧٧]
يريهم صلوات الله وسلامه عليه، وقد صور نفسه بصورة الموافق لهم، لكن على وجه التقليد، بل يقصد إقامة البرهان على إلهية النجوم والقمر، فالآن وقد أفلت، وتبين بالبرهان العقلي مع السمعي بطلان إلهيتها، فأنا إلى الآن لم يستقر لي قرار على رب وإله عظيم، فلما رأى الشمس بازغة قال: هذا أكبر من النجوم ومن القمر، فإن جرى عليها ما جرى عليهما كانت مثلهما، فلما أفلت وقد تقرر عند الجميع فيما سبق أن عبادة من يأفل من أبطل الباطل، فحينئذ ألزمهم بهذا الإلزام ووجه عليهم الحجة فقال:
﴿يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ - إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾ [الأنعام: ٧٨ - ٧٩] أي: ظاهري وباطني