وأعادها، ونبه بها العباد على هذا المطلوب الذي هو أعظم المطالب وأجل الغايات، فمن سلك طريقا من هذه الطرق أفضت به إلى العلم واليقين بأنه لا إله إلا هو، وكلما ازداد العبد سلوكا لهذه الطرق، ورغبة فيها ومعرفة ازداد يقينه ورسخ إيمانه، وكان الإيمان في قلبه أرسخ من الجبال، وأحلى من كل لذيذ وأنفس من كل نفيس.
والطريق الأعظم الجامع لذلك كله تدبر القرآن العظيم والتأمل في آياته، فإنه الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد، ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل من غيره.
وقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد: ١٩] أي: اطلب من ربك المغفرة لذنبك بأن تفعل الأسباب التي تحصل بها المغفرة: من الدعاء بالمغفرة والتوبة النصوح، وفعل الحسنات الماحية، وترك الذنوب، والعفو عن الخلق والإحسان إليهم، ومن ذلك الاستغفار لهم، فلهذا قال: ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: ١٩] فهذا من ثمرات الإيمان بسبب إيمانهم كان لهم حق على كل مسلم أن يدعو لهم بالمغفرة.
وإذا كان العبد مأمورا بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات فمن لوازم ذلك أن يكون ناصحا لهم، يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه، ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه، ويحثهم على الخير، وينهاهم عن الشر، ويعفو عن معايبهم ومساويهم، ويحرص على اجتماعهم اجتماعا تتألف به قلوبهم، ويزول ما بينهم من الأحقاد المفضية للمعاداة والشقاق، فإنه بالائتلاف تقل الذنوب، وبالافتراق تكثر الشرور والمعاصي، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد: ١٩] أي: تصرفاتكم وحركاتكم وذهابكم ومجيئكم، وما إليه تنتهون وبه تستقرون،