صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال:
﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ [الصافات: ١٤١]
أي: المغلوبين في القرعة، فألقوا فابتلعه حوت في البحر ابتلاعا، لم يكسر له عظما، ولم يمضغ له لحما.
فلما صار في جوف الحوت في تلك الظلمات نادى:
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧]
فأمر الله الحوت أن تلقيه بالعراء، فخرج من بطنها كالفرخ الممعوط من البيضة في غاية الضعف والوهن، فلطف الله به، وأنبت عليه شجرة من يقطين، فأظلته بظلها الظليل حتى قوي واشتد، وأمره الله أن يرجع إلى قومه فيعلمهم ويدعوهم، فاستجاب له أهل بلده مائة ألف أو يزيدون، فآمنوا فمتعناهم إلى حين.
وفي هذه القصة عتاب الله ليونس ﷺ اللطيف، وحبسه في بطن الحوت؛ ليكون كفارة وآية عظيمة وكرامة ليونس، ومن نعمة الله عليه أنه استجاب له هذا العدد الكثير من قومه، فكثرة أتباع الأنبياء من جملة فضائلهم.
وفيها استعمال القرعة عند الاشتباه في مسائل الاستحقاق والحرمان إذا لم يكن مرجح سواها، وفي عمل أهل السفينة هذا العمل دليل على القاعدة المشهورة أنه يرتكب أخف الضررين لدفع الضرر الذي هو أكبر منه، ولا ريب أن إلقاء بعضهم وإن كان فيه ضرر، فعطب الجميع إذا لم يلق أحد أعظم.
وفيها أن العبد إذا كانت له مقدمة خاصة مع ربه وقد تعرف إلى ربه في حال الرخاء، أن الله يشكر له ذلك، ويعرفه في حال الشدة بكشفها بالكلية