[ص: ٢٤ و ٢٥].
فمحا الله عنه الذنب، وعاد به بعد التوبة أحسن مما كان قبل ذلك: حصل له القرب العظيم من ربه وحسن العاقبة، وقال الله له:
﴿يا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص: ٢٦]
وأما سليمان بن داود ﷺ فإن الله أعطاه النبوة وورث أباه: علمَه ونبوته وملكَه، وزاده الله ملكا عظيما لم يحصل لأحد قبله ولا بعده: سخَّر الله له الريح تجري بأمره وتدبيره برخاء، أي: بسهولة حيث أراد، غدوها شهر ورواحها شهر، وسخر الله له الجن والشياطين والعفاريت يعملون له الأعمال الفخمة بحسب إرادته، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب، وقدور راسيات، وتذهب وتجيء بأمره إلى حيث أراد، وسخر له من الجنود من الإنس والجن والطير، فهم يوزعون بتدبير عجيب ونظام غريب، وعلَّمه منطق الطير وسائر الحيوانات، فكانت تخاطبه ويفهم ما تكلم به، ولهذا خاطب الهدهد وراجعه تلك المراجعة، وسمع النملة إذ نادت في قومها:
﴿يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨]
فحذرت وأمرت بما يقي من الخطر، واعتذرت عن سليمان وجنوده؛ فلهذا ابتسم سليمان ضاحكا من قولها وقال:
﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: ١٩]