لسليمان لا تكون لأحد بعد سليمان، ولهذا لما رأى النبي ﷺ أن يأخذ الشيطان الذي تفلَّت عليه ليلة فيربطه في سارية المسجد قال: «ذكرت دعوة أخي سليمان فتركته».
ومنها: أن سليمان كان ملكا نبيا مباح له أن يفعل ما يريد، ولكنه لكماله لا يريد إلا الخير والعدل، وهذا بخلاف النبي العبد، فإنه لا يكون له إرادة مستقلة، بل إرادته تابعة لمراد الله منه، فلا يفعل ولا يترك إلا تبعا للأمر، كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن الله أعطى سليمان ملكا عظيما، فيه أمور لا يمكن أن تدرك بالأسباب، وإنما هي من تقدير الملك الوهاب مثل تسخير الريح تبعا لأمره، وتسخير الشياطين، وكون جنوده من الإنس والجن والطير، وأن الطيور كانت تخدمه الخدمة العظيمة، يرسلها للجهات توصل منه الأخبار، وتأتيه بأخبار تلك الجهات، وقد أعطاها الله من الفهم ومعرفة أحوال الآدميين ما قص الله علينا نبأه في هذه القصة، وكذلك الذي عنده علم من الكتاب حين استعد أن يأتيه بعرش ملكة سبأ قبل أن يرتد إليه طرفه، وهذه آيات أنبياء، فلهذا مهما بلغ الخلق في الترقي في علوم الطبيعة والمهارة بالمخترعات فلن يصلوا إلى ما أُعطيه سليمان.
ومنها: أنه ينبغي للملوك والرؤساء أن يسألوا عن أحوال الأمراء والرؤساء والرجال المتميزين، ولا يكتفوا بمجرد السؤال، بل يختبرونهم ويختبرون معرفتهم للأمور وعقولهم، كما فعل سليمان مع ملكة سبأ: امتحنها ليستدل على كمال عقلها ورجاحته، ولم يكتف بالسؤال، وهذا فيه للملوك فوائد عظيمة، وهم محتاجون لهذا أشد الحاجة، وتمام الملك أن يدير دفته الرجال الكاملون.