لها، ولهذا استجاب الله لها في هذه الدنيا:
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: ٣٧]
فجمع الله لها بين التربية الجسدية والتربية الروحية، حيث قدر أن يكون كافلها أعظم أنبياء بني إسرائيل في ذلك الوقت؛ فإن أمها لما جاءت بها لأهل بيت المقدس تنازعوا أيهم يكفلها؛ لأنها ابنة رئيسهم، فاقترعوا وألقوا أقلامهم، فأصابت القرعة زكريا رحمة به وبمريم، فكفلها أحسن كفالة، وأعانه على كفالتها بكرامة عظيمة منه، فكانت قد نشأت نشأة الصالحات الصدِّيقات، وعكفت على عبادة ربها، ولزمت محرابها، فكان زكريا كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، قال: أنى لك هذا؟ فإنه ليس لها كافل غير زكريا، قالت:
﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: ٣٧]
أي: رزقه تعالى يأتي بطرق معهودة وبطرق أخرى، والله على كل شيء قدير.
فحين رأى هذه الحالة ذكره ذلك لطف ربه، ورجاه إلى رحمته، فدعا الله أن يهب له ولدا يرثه علمه ونبوته، ويقوم بعده في بني إسرائيل في تعليمهم وهدايتهم:
﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا﴾ [آل عمران: ٣٩]
أي: عظيما عند الله، وعند الخلق لما جبله الله عليه من الأخلاق الحميدة، والعلوم العظيمة، والأعمال الصالحة.


الصفحة التالية
Icon