﴿لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [يوسف: ١٠]
كان قوله أحسن منهم وأخف، وبسببه خف عن إخوته الإثم الأكبر، وهو من جملة الأسباب التي قدر الله ليوسف في وصوله إلى الغاية التي يريد.
ومنها: أن الشيء إذا تداولته الأيدي، وصار من جملة الأموال، ولم يعلم المعاملون أنه على غير وجه الشرع، فلا إثم على من باشره ببيع أو شراء أو خدمة أو انتفاع أو استعمال، فإن يوسف باعه إخوته بيعا محرَّما عليهم، واشترته السيارة بناء على أنه عبد لإخوة يوسف البائعين، ثم ذهبوا به إلى مصر فباعوه بها، وبقي عند سيده غلاما رقيقا، وسماه الله سيدا، وكان عندهم بمنزلة الرقيق المكرم، وسمى الله شراء السيارة وشراءه في مصر معاملة لما ذكرنا.
ومنها: الحذر من الخلوة بالنساء الأجنبيات، وخصوصا اللاتي يخشى منهن الفتنة، والحذر أيضا من المحبة التي يخشى ضررها؛ فإن امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحُّدها بيوسف، وحبها الشديد له الذي ما تركها حتى راودته تلك المراودة، ثم كذبت عليه فسجن ذلك السجن الطويل.
ومنها: أن الهم الذي همَّ به يوسف ثم تركه لله ولبرهان الإيمان الذي وضعه الله في قلبه مما يرقّيه إلى الله زلفى؛ لأن الهم داع من دواعي النفس الأمّارة بالسوء، وهو طبيعة طُبع عليها الآدمي، فإذا حصل الهم بالمعصية ولم يكن عند العبد ما يقاوم ذلك من الإيمان والخوف من الله وقع الذنب، وإن كان العبد مؤمنا كامل الإيمان فإن الهم الطبيعي إذا قابله ذلك الإيمان الصحيح القوي منعه من ترتب أثره، ولو كان الداعي قويا،


الصفحة التالية
Icon