وهذا الوصف الجليل للمؤمنين هو الأساس لهدايتهم، وزيادة إيمانهم، وانقيادهم، وبه ينفتح لك الباب في فهم الآيات في أوصاف المؤمنين، وسرعة انقيادهم للحق: أصوله وفروعه.
ومن مقامات النبي ﷺ مع المكذبين له أنه يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلهم بالتي هي أحسن، ويدعوهم أفرادا ومتفرقين، ويذكرهم بالقرآن، ويتلوه في الصلاة وخارجها، وكانوا إذا سمعوه صموا آذانهم، وقد يسبونه ويسبون من أنزله، فأنزل الله على رسوله آيات كثيرة في هذا المعنى يبين حالهم مع سماع القرآن وشدة نفورهم كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة، وأن شياطينهم ورؤساءهم في الشر فكروا وقدروا ونظروا فيما يقولون عن القرآن ويصفونه به؛ لينفروا عنه الناس، حتى قرار رئيسهم الوليد بن المغيرة الذي سماه الله وحيدا فقال: إن هذا إلا سحر يؤثر، إن هذا إلا قول البشر، ولكن أبى الله إلا أن يعلو هذا الكلام كلَّ كلام، ويزهق هذا الحق كل باطل، وكانوا من إفكهم يقولون في القرآن الأقوال المتناقضة، يقولون: إنه سحر، إنه كهانة، إنه شعر، إنه كذب، إنه أساطير؛ فجعلوا القرآن عضين، كل هذا أثر البغض الذي أحرق قلوبهم، حتى قالوا فيه مقالة المجانين، وكلما قالوا قولا من هذه الأقوال أنزل الله آيات يبطل بها ما قالوا، ويبين زورهم وافتراءهم وتناقضهم.
وكان من الأدلة والبراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن من عند الله، مقابلة المكذبين له، فإن من نظر إليها علم أنها سلاح عليهم، وأكبر دليل على أنهم مقاومون للحق، ساعون في إبطاله، وأنهم على الباطل الذي ليس له حظ من العقل، كما ليس له حظ من الدين، وكانوا أيضا يقولون في النبي ﷺ الأقوال التي ليس فيها دلالة على ما كانوا يعتقدون، وليس فيها نقص