والذي دل عليه العقل والنقل، وهو أن جميع الأمور واقعة بقضاء الله وقدره: أعيانها وأوصافها وأفعالها، وجميع ما حدث ويحدث، لا يخرج شيء منه عن قضائه وقدره، ومع ذلك فقد جعل الله الحوادث تبعا لأسبابها، ولإرادة الفاعلين لها وقدرتهم عليها، فالآيات المتعددة المضافة إلى عموم قدرة تدل على الأصل الأول، والآيات المتعددة المضافة إلى فاعليها تدل على الأصل الثاني، ولا منافاة بينهما، فإن أعمال العباد مثلا تقع بفعلهم وإرادتهم وقدرتهم، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم وخالق السبب التام خالق للمسبب، ومع ذلك فقد جعلهم في أفعالهم وتروكهم مختارين غير مجبورين.
* فائدة: يختم الله كثيرا من الآيات عندما يبين للعباد الأصول والأحكام النافعة بقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٧٣]
وهذا يدل على أمور:
منها: أن الله يحب منا أن نعقل أحكامه وإرشاداته وتعليماته، فنحفظها ونفهمها ونعقلها بقلوبنا، ونؤيد هذا العقل ونثبته بالعمل بها.
ومنها: أنه كما يحب منا أن نعقل هذا الحكم الذي بينه بيانا خاصا، فإنه يحب أن نعقل بقية ما أنزل علينا من الكتاب والحكمة، وأن نعقل آياته المسموعة وآياته المشهودة.
ومنها: أن في هذا أكبر دليل على أن معرفة ما أنزل الله إلينا من أعظم ما يربي عقولنا، ويجعلها عقولا تفهم الحقائق النافعة والضارة، وترجح هذه على هذه، ولا تميل بها الأهواء والأغراض والخيالات والخرافات الضارة المفسدة للعقول.


الصفحة التالية
Icon