يعذب فيها بقدر ذنوبه، ثم مآله إلى الجنة، ولا يبقى في النار أحد في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان، كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه سلف الأمة وأئمتها.
وأما المقتصد فهو الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، ولم يكثر من نوافل العبادات، وإذا صدر منه بعض الهفوات بادر إلى التوبة فعاد إلى مرتبته، فهؤلاء أهل اليمين، وأما من كان من أصحاب اليمين:
﴿فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة: ٩١]
فهؤلاء سلموا من عذاب البرزخ وعذاب النار، وسلم الله لهم إيمانهم وأعمالهم، فأدخلهم بها الجنة، كل على حسب مرتبته.
وأما السابق إلى الخيرات فهو الذي كمل مراتب الإسلام، وقام بمرتبة الإحسان، فَعَبَدَ الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه، وبذل ما استطاع من النفع لعباد الله، فكان قلبه ملآنا من محبة الله والنصح لعباد الله، فأدى الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات وفضول المباحات المنقصة لدرجته، فهؤلاء هم صفوة الصفوة، وهم المقربون في جنات النعيم إلى الله، وهم أهل الفردوس الأعلى، فإن الله كما أنه رحيم واسع الرحمة فإنه حكيم ينزل الأمور منازلها، ويعطي كل أحد بحسب حاله ومقامه، فكما كانوا هم السابقين في الدنيا إلى كل خير كانوا في الآخرة في أعلى المنازل، وكما تخيروا من الأعمال أحسنها جعل الله لهم من الثواب أحسنه؛ ولهذا كانت عين التسنيم أعلى أشربة أهل الجنة، يشرب منها هؤلاء المقربون صرفا، وتمزج لأصحاب اليمين مزجا في بقية أشربة الجنة، التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه كما قال تعالى: