فطرق العلم إلى المعلومات كثيرة جدا، وكلما كان الشيء أعظم ومعرفته أهم كانت الطرق الموصلة إليه أكثر وأوضح وأصح وأقوى، كما تقدمت الإشارة إلى التوحيد والرسالة والمعاد، والله أعلم.
* فائدة: لما ذكر الباري نعمته على العباد بتيسير الركوب للأنعام والفلك قال:
﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ - وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٣ - ١٤]
ذكر فيها أركان الشكر الثلاثة: وهي الاعتراف والتذكر لنعمة الله، والتحدث بها، والثناء على الله بها، والخضوع لله، والاستعانة بها على عبادته؛ لأن المقصود من قوله: ﴿وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٤] الاعتراف بالجزاء والاستعداد له، وأن المقصود من هذه النعم أن تكون عونا للعبد على ما خلق له من طاعة الله، وفي قوله: ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [الزخرف: ١٣] تقييدها في هذه الحالة وقت تبوء النعمة؛ لأن كثيرا من الخلق تسكرهم النعم، وتغفلهم عن الله، وتوجب لهم الأشر والبطر، فهذه الحالة التي أمر الله بها هي دواء هذا الداء المهلك، فإنه متى ذكر العبد أنه مغمور بنعم الله، وأن أصولها وتيسيرها وتيسير أسبابها وبقائها ودفع ما يضادها أو ينقصها كله من فضل الله وإحسانه ليس من العبد شيء، خضع لله وذلَّ وشكره وأثنى عليه، وبهذا تدوم النعمة ويبارك الله فيها، وتكون نعمة حقيقية، فأما إذا قابلها بالأشر والبطر، ونسي المنعم، وربما تكبر بها على عباد الله، فهذه نقمة في صورة نعمة، وهي استدراج من الله للعبد سريعة الزوال، وشيكة بالعقاب عليها والنكال، نسأل الله أن يوزعنا شكر نعمه.


الصفحة التالية
Icon