﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] هذا غاية جواز الأكل والشرب والجماع في ليالي الصيام؛ وفيه أن هذه الثلاثة إذا وقعت وصاحبها شاك في طلوع الفجر فلا حرج عليه، ودليل على استحباب السحور، وأنه يستحب تأخيره أخذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد، ودليل على أنه يجوز أن يدركه الفجر وهو جنب من الجماع قبل أن يغتسل؛ لأن من لازم إباحة الجماع إلى طلوع الفجر أن يدركه الفجر وهو جنب، ولازم الحق حق، ثم إذا طلع الفجر أتموا الصيام، أي: أمسكوا عن المفطرات إلى الليل، وهو غروب الشمس.
ولما كانت إباحة الوطء في ليالي الصيام ليست إباحة عامة لكل أحد، استثنى تعالى المعتكف بقوله: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧] أي: وأنتم متصفون بذلك؛ ودلت الآية على مشروعية الاعتكاف؛ وهو لزوم المساجد لطاعة الله، وأن الاعتكاف لا يصح إلا بمسجد؛ ويستفاد من تعريف المساجد بالألف واللام أنها المساجد التي يعرفها المسلمون، وأنها التي تقام فيها الصلوات الخمس.
وفيه أن الوطء من مفسدات الاعتكاف تلك المذكورات، وهي تحريم الأكل والشرب والجماع ونحوها من مفطرات الصيام، وتحريم الوطء على المعتكف، ونحو ذلك من المحرمات التي حدها لعباده، ونهاهم عنها: ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ [البقرة: ١٨٧] أي: لا تفعلوها، ولا تحوموا حولها، وتفعلوا وسائلها، والعبد مأمور بترك المحرمات، والبعد عنها بترك كل وسيلة تدعو إليها.
وأما الأوامر فيقول الله فيها: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ [البقرة: ١٨٧] كما ينهى عن مجاوزتها: ﴿فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾ [البقرة: ٢٢٩] كذلك البيان السابق والتوضيح التام من الله لعباده: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧] فإن العلم


الصفحة التالية
Icon