لليهود: أتشهدون أن عزيرا عبده ورسوله؟ فَقَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عزير عليه السلام عبدا، وَقَالَ لِلنَّصَارَى: أَتَشْهَدُونَ أَنَّ عِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ وَعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟ قَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عِيسَى عَبْدًا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ [آل عمران: ٢٠] أَيْ: تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ الهداية، ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: ٢٠] عَالِمٌ بِمَنْ يُؤْمِنُ وَبِمَنْ لَا يؤمن.
[قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ] النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ....
[٢١]، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٢١] يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ٢١] «عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ رَجُلًا أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ﴾ [آل عمران: ٢١] »، أخبرهم ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: ٢١] وجيع.
[٢٢] ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٢٢] وَبُطْلَانُ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا أَنْ لا يقبل، وفي الآخرة أن لا يُجَازَى عَلَيْهِ.
[٢٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٢٣] يَعْنِي: الْيَهُودَ، ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٢٣] اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ دُعُوا إِلَى حكم القرآن فَأَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: هُوَ التوراة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - قال لنعيم والحارث: هلموا هلموا إِلَى التَّوْرَاةِ فَهِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَأَبَيَا عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [آل عمران: ٢٣]
[٢٤] ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ﴾ [آل عمران: ٢٤] وَالْغُرُورُ: هُوَ الْإِطْمَاعُ فِيمَا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ، ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [آل عمران: ٢٤] وَالِافْتِرَاءُ: اخْتِلَاقُ الْكَذِبِ.
[٢٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ﴾ [آل عمران: ٢٥] أَيْ: فَكَيْفَ حَالُهُمْ أَوْ كَيْفَ يَصْنَعُونَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ، ﴿لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٢٥] وهو يوم القيامة ﴿وَوُفِّيَتْ﴾ [آل عمران: ٢٥] وُفِّرَتْ ﴿كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ﴾ [آل عمران: ٢٥] أَيْ: جَزَاءَ مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٢٥] أَيْ: لَا يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ولا يزاد على سيئاتهم.
[٢٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ قُلِ اللَّهُمَّ﴾ [آل عمران: ٢٦] قِيلَ: مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ، فَلَمَّا حُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ زِيدَ الْمِيمُ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لِلْمِيمِ فيه معنى، ومعناها اللهم أُمَّنَا بِخَيْرٍ، أَيِ: اقْصِدْنَا، حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ، كَقَوْلِهِمْ: هَلُمَّ إِلَيْنَا، كَانَ أَصْلُهُ هَلْ أُمَّ إِلَيْنَا، ثُمَّ كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ اسْتِخْفَافًا وَرُبَّمَا خَفَّفُوا أيضا فقالوا لا هم، قوله: ﴿مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ [آل عمران: ٢٦] يَعْنِي: يَا مَالِكَ الْمُلْكِ، أَيْ: مَالِكَ الْعِبَادِ وَمَا مَلَكُوا، وَقِيلَ: يا ملك السماوات والأرض، ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٢٦] قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي مُلْكَ النُّبُوَّةِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، ﴿وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٢٦] أَبِي جَهْلٍ وَصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَقِيلَ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ: الْعَرَبَ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ: فَارِسَ وَالرُّومَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، آتَى اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ عليهم السلام الملك وَأَمَرَ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِمْ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، نَزَعَهُ مِنَ الْجَبَّارِينَ، وَأَمَرَ الْعِبَادَ بِخِلَافِهِمْ، وَقِيلَ: تُؤْتِي الملك مَنْ تَشَاءُ: آدَمَ وَوَلَدَهُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ: إِبْلِيسَ وَجُنُودَهُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٢٦] قَالَ عَطَاءٌ: تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ: الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ: فَارِسَ وَالرُّومَ، وَقِيلَ: تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ: مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ، حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ