[١٥٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [النساء: ١٥٠] الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالتَّوْرَاةِ وعُزير، وَكَفَرُوا بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ وَبِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٥٠] أَيْ: دِينًا بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَمَذْهَبًا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ.
[١٥١] ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾ [النساء: ١٥١] حَقَّقَ كُفْرَهُمْ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ بِبَعْضِهِمْ كَالْكُفْرِ بِجَمِيعِهِمْ ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: ١٥١]
[١٥٢] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [النساء: ١٥٢] كُلِّهِمْ ﴿وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ١٥٢] يَعْنِي: بَيْنَ الرُّسُلِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، يَقُولُونَ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، ﴿أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٢] بِإِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ (يُؤْتِيهِمْ) بِالْيَاءِ، أَيْ: يُؤْتِيهِمُ اللَّهُ، وَالْبَاقُونَ بِالنُّونِ، ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٥٢]
[١٥٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٥٣] الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَفَنْحَاصَ بْنَ عَازُورَاءَ مِنَ الْيَهُودِ قَالَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَأْتِنَا بِكِتَابٍ جُمْلَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَا أَتَى بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النِّسَاءِ: ١٥٣] وَكَانَ هَذَا السُّؤَالُ مِنْهُمْ سُؤَالَ تَحَكُّمٍ وَاقْتِرَاحٍ، لَا سُؤَالَ انْقِيَادٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُنْزِلُ الْآيَاتِ عَلَى اقْتِرَاحِ الْعِبَادِ. قَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٥٣] أَيْ: أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ، يَعْنِي: السَّبْعِينَ الَّذِي خَرَجَ بِهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْجَبَلِ، ﴿فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] أَيْ: عِيَانًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ قَالُوا جَهْرَةً أَرِنَا اللَّهُ، ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ [النساء: ١٥٣] يَعْنِي إِلَهًا، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٥٣] وَلَمْ نَسْتَأْصِلْهُمْ، قِيلَ: هَذَا اسْتِدْعَاءٌ إِلَى التَّوْبَةِ، مَعْنَاهُ: أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا تَابُوا فَعَفَوْنَا عَنْهُمْ، فَتُوبُوا أَنْتُمْ حَتَّى نَعْفُوَ عَنْكُمْ، ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٥٣] أَيْ: حُجَّةً بَيِّنَةً مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، وَهِيَ الْآيَاتُ التِّسْعُ.
[١٥٤] ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ [النساء: ١٥٤] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ وَفَتْحِ الْعَيْنِ نَافِعٍ بِرِوَايَةِ وَرْشٍ وَيَجْزِمُهَا الْآخَرُونَ، وَمَعْنَاهُ: لَا تَعْتَدُوا وَلَا تَظْلِمُوا بِاصْطِيَادِ الْحِيتَانِ فِيهِ، ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ١٥٤]
[قَوْلُهُ تَعَالَى فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ] اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ....
[١٥٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥] أَيْ: فَبِنَقْضِهِمْ، و (مَا) صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٥٩] وَنَحْوَهَا، ﴿وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] أَيْ: خَتَمَ عَلَيْهَا، ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا﴾ [النساء: ١٥٥]