بِالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَمِنْهُ الدَّرَاهِمُ الْقَاسِيَةُ وَهِيَ الرَّدِيَّةُ الْمَغْشُوشَةُ ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: ١٣] قِيلَ: هُوَ تَبْدِيلُهُمْ نَعْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: تَحْرِيفُهُمْ بِسُوءِ التَّأْوِيلِ، ﴿وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة: ١٣] أَيْ: وَتَرَكُوا نَصِيبَ أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانِ نعته، ﴿وَلَا تَزَالُ﴾ [المائدة: ١٣] يَا مُحَمَّدُ، ﴿تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ١٣] أَيْ: عَلَى خِيَانَةٍ، فَاعِلَةٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَالْكَاذِبَةِ وَاللَّاغِيَةِ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلُ رَوَّايَةٍ وَنَسَّابَةٍ وَعَلَّامَةٍ وَحَسَّابَةٍ، وَقِيلَ: عَلَى فِرْقَةٍ خَائِنَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَلَى خَائِنَةٍ أَيْ: عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَكَانَتْ خِيَانَتُهُمْ نَقْضَهُمُ الْعَهْدِ وَمُظَاهَرَتَهُمُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَمِّهِمْ بِقَتْلِهِ وَسَمِّهِ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ خِيَانَاتِهِمُ الَّتِي ظهرت منهم، ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ١٣] لَمْ يَخُونُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الكتاب، ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ﴾ [المائدة: ١٣] أَيْ: أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَلَا تَتَعَرَّضْ لَهُمْ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: ١٣] وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
[قَوْلُهُ تعالى وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ] فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ....
[١٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ﴾ [المائدة: ١٤] قِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ فِي النَّصَارَى خَاصَّةً لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْيَهُودِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ نَصَارَى بِتَسْمِيَتِهِمْ لَا بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [المائدة: ١٤] بِالْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي بَيْنَ اليهود والنصارى، وقال الربيع: هُمُ النَّصَارَى وَحْدَهُمْ صَارُوا فِرَقًا مِنْهُمُ الْيَعْقُوبِيَّةُ وَالنَّسْطُورِيَّةُ وَالْمَلْكَانِيَّةُ وَكُلُّ فِرْقَةٍ تُكَفِّرُ الْأُخْرَى، ﴿وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: ١٤] فِي الْآخِرَةِ.
[١٥] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ [المائدة: ١٥] يُرِيدُ: يَا أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ، ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [المائدة: ١٥] أَيْ: مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِثْلُ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَةِ الرَّجْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [المائدة: ١٥] أَيْ: يُعْرِضُ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا أَخْفَيْتُمْ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ وَلَا يُؤَاخِذُكُمْ بِهِ، ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ﴾ [المائدة: ١٥] يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: الْإِسْلَامُ، ﴿وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١٥] أَيْ: بَيِّنٌ، وَقِيلَ: مُبِينٌ وَهُوَ الْقُرْآنُ.
[١٦] ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ﴾ [المائدة: ١٦] رضاه، ﴿سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة: ١٦] قِيلَ: السَّلَامُ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَسَبِيلُهُ دِينُهُ الَّذِي شَرَعَ لِعِبَادِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، وَقِيلَ: السَّلَامُ هُوَ السَّلَامَةُ، كَاللَّذَاذِ وَاللَّذَاذَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ طُرُقُ السَّلَامَةِ، ﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [المائدة: ١٦] أَيْ: مِنْ


الصفحة التالية
Icon