السَّبْتِ، وَقَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ وَاجْعَلْهُمْ آيَةً؛ فَمُسِخُوا قردة وخنازير، ﴿وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ٧٨] أَيْ: عَلَى لِسَانِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْنِي كُفَّارَ أَصْحَابِ الْمَائِدَةِ، لَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا، قَالَ عِيسَى: اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ وَاجْعَلْهُمْ آيَةً؛ فَمُسِخُوا خَنَازِيرَ، ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [المائدة: ٧٨]
[٧٩] ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ [المائدة: ٧٩] أَيْ: لَا يَنْهَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: ٧٩]
[٨٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٨٠] قِيلَ: مِنَ الْيَهُودِ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابُهُ، ﴿يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [المائدة: ٨٠] مُشْرِكِي مَكَّةَ حِينَ خَرَجُوا إِلَيْهِمْ يُجَيِّشُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: مِنْهُمْ يَعْنِي مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْيَهُودَ، ﴿لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ [المائدة: ٨٠] بِئْسَ مَا قَدَّمُوا مِنَ الْعَمَلِ لِمَعَادِهِمْ فِي الْآخِرَةِ؟ ﴿أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٨٠] غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ﴿وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ [المائدة: ٨٠]
[٨١] ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ﴾ [المائدة: ٨١] مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ﴾ [المائدة: ٨١] يعني القرآن، ﴿مَا اتَّخَذُوهُمْ﴾ [المائدة: ٨١] يَعْنِي الْكُفَّارَ، ﴿أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٨١] أَيْ: خَارِجُونَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
[٨٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [المائدة: ٨٢] يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾ [المائدة: ٨٢] لَمْ يُرِدْ بِهِ جَمِيعَ النَّصَارَى لِأَنَّهُمْ فِي عَدَاوَتِهِمُ الْمُسْلِمِينَ كَالْيَهُودِ فِي قَتْلِهِمُ الْمُسْلِمِينَ وَأَسْرِهِمْ وَتَخْرِيبِ بِلَادِهِمْ وَهَدْمِ مَسَاجِدِهِمْ وَإِحْرَاقِ مَصَاحِفِهِمْ، لا وَلَا كَرَامَةَ لَهُمْ، بَلِ الْآيَةُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ مِثْلُ النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِ وَجَمِيعِ النَّصَارَى، لِأَنَّ الْيَهُودَ أَقْسَى قَلْبًا وَالنَّصَارَى أَلْيَنُ قَلْبًا مِنْهُمْ، وَكَانُوا أَقَلَّ مُظَاهَرَةً لِلْمُشْرِكِينَ من اليهود ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ﴾ [المائدة: ٨٢] أَيْ: عُلَمَاءَ، قَالَ قُطْرُبٌ: الْقَسُّ وَالْقِسِّيسُ الْعَالِمُ بِلُغَةِ الرُّومِ، ﴿وَرُهْبَانًا﴾ [المائدة: ٨٢] الرُّهْبَانُ الْعُبَّادُ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ وَاحِدُهُمْ رَاهِبٌ، مِثْلُ فَارِسٍ وَفُرْسَانٍ وَرَاكِبٍ وَرُكْبَانٍ، وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعُهُ رَهَابِينُ، مِثْلُ قُرْبَانٍ وَقَرَابِينٍ، ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: ٨٢] لَا يَتَعَظَّمُونَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِذْعَانِ للحق.
[قوله تعالى وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى] أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ....
[٨٣] ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ﴾ [المائدة: ٨٣] مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ﴾ [المائدة: ٨٣] تَسِيلُ، ﴿مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: ٨٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: يُرِيدُ النَّجَاشِيَّ وَأَصْحَابَهُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ جَعْفَرٌ بِالْحَبَشَةِ كهيعص، فَمَا زَالُوا يَبْكُونَ حَتَّى فَرَغَ جَعْفَرٌ مِنَ الْقِرَاءَةِ. ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: ٨٣] يَعْنِي أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: