عَامِرٍ (نُكَذِّبُ) بِالرَّفْعِ وَ (نَكُونَ) بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُمْ تَمَنَّوْا أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَخْبَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ إن ردوا إلى الدنيا.
[قوله تعالى بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ] رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ....
[٢٨]، ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ﴾ [الأنعام: ٢٨] أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوا إِنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَآمَنُوا بَلْ بَدَا لَهُمْ: ظَهَرَ لَهُمْ، ﴿مَا كَانُوا يُخْفُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] يسرون، ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنعام: ٢٨] فِي الدُّنْيَا مِنْ كُفْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ، وَقِيلَ: مَا كَانُوا يُخْفُونَ وَهُوَ قَوْلُهُمْ ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢٣] فَأَخْفَوْا شِرْكَهُمْ وَكَتَمُوا حَتَّى شَهِدَتْ عَلَيْهِمْ جَوَارِحُهُمْ بِمَا كَتَمُوا وَسَتَرُوا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُخْفُونَ كُفْرَهُمْ فِي الدُّنْيَا، إِلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْآيَةَ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: بَلْ بَدَا لَهُمْ جَزَاءُ مَا كَانُوا يُخْفُونَ، وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: بَلْ بَدَا لهم بَدَا عَنْهُمْ. ثُمَّ قَالَ، ﴿وَلَوْ رُدُّوا﴾ [الأنعام: ٢٨] إلى الدنيا ﴿لَعَادُوا لِمَا﴾ [الأنعام: ٢٨] يَعْنِي إِلَى مَا، ﴿نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨] من الكفر ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] فِي قَوْلِهِمْ: لَوْ رُدِدْنَا إِلَى الدُّنْيَا لَمْ نُكَذِّبْ بِآيَاتِ رَبِّنَا ونكون مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
[٢٩]، ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الأنعام: ٢٩] وهذا إِخْبَارٌ عَنْ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ ردوا لقالوه.
[٣٠]، قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ٣٠] أَيْ: عَلَى حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، وَقِيلَ: عُرِضُوا عَلَى رَبِّهِمْ، ﴿قَالَ﴾ [الأنعام: ٣٠] لَهُمْ، وَقِيلَ: تَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ بِأَمْرِ اللَّهِ: ﴿أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: ٣٠] يَعْنِي: أَلَيْسَ هَذَا الْبَعْثُ وَالْعَذَابُ بالحق؟ ﴿قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا﴾ [الأنعام: ٣٠] إِنَّهُ حَقٌّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي مَوْقِفٍ، وَقَوْلُهُمْ: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فِي مَوْقِفٍ آخَرَ، وَفِي الْقِيَامَةِ مَوَاقِفُ، فَفِي مَوْقِفٍ يُقِرُّونَ، وَفِي مَوْقِفٍ يُنْكِرُونَ. ﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [الأنعام: ٣٠]
[٣١] ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٣١] أَيْ: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَكْذِيبِهِمُ الْمَصِيرَ إلى الله والبعث بَعْدَ الْمَوْتِ، ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ﴾ [الأنعام: ٣١] أي: القيامة ﴿بَغْتَةً﴾ [الأنعام: ٣١] أَيْ: فَجْأَةً، ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا﴾ [الأنعام: ٣١] نَدَامَتَنَا، ذُكِرَ عَلَى وَجْهِ النِّدَاءِ للمبالغة، قال سِيبَوَيْهِ: كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَيَّتُهَا الْحَسْرَةُ هَذَا أَوَانُكِ، ﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا﴾ [الأنعام: ٣١] أي: قصرنا ﴿فِيهَا﴾ [الأنعام: ٣١] أَيْ: فِي الطَّاعَةِ، وَقِيلَ: تَرَكْنَا فِي الدُّنْيَا مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ، وقال مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى الصَّفْقَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ خُسْرَانُ صَفْقَتِهِمْ بِبَيْعِهِمُ الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا قَالُوا: يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا، أَيْ: فِي الصَّفْقَةِ، فَتُرِكَ ذِكْرُ الصَّفْقَةِ اكتفاء بذكر قوله ﴿قَدْ خَسِرَ﴾ [الأنعام: ٣١] لِأَنَّ الْخُسْرَانَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي صَفْقَةِ بَيْعٍ، وَالْحَسْرَةُ شِدَّةُ النَّدَمِ، حَتَّى يَتَحَسَّرَ النَّادِمُ، كَمَا يَتَحَسَّرُ الَّذِي تَقُومُ بِهِ دَابَّتُهُ فِي السَّفَرِ الْبَعِيدِ، ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾ [الأنعام: ٣١] أثقالهم وآثامهم، ﴿عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ [الأنعام: ٣١] قَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذْ أُخْرِجَ مِنْ قَبْرِهِ اسْتَقْبَلَهُ أَحْسَنُ شَيْءٍ صُورَةً وَأَطْيَبُهُ رِيحًا فَيَقُولُ: هَلْ


الصفحة التالية
Icon