الْمُشْرِكُونَ، ﴿إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦] حَتَّى لَا تَسْمَعُوا شَيْئًا أَصْلًا ﴿وَأَبْصَارَكُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦] حتى لا تبصروا شيئا أصلا، ﴿وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦] حَتَّى لَا تَفْقَهُوا شَيْئًا وَلَا تعرفوا من أمور الدنيا شيئا، ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾ [الأنعام: ٤٦] وَلَمْ يَقُلْ بِهَا مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْيَاءَ، قِيلَ: مَعْنَاهُ يَأْتِيكُمْ بِمَا أُخِذَ مِنْكُمْ، وَقِيلَ: الْكِنَايَةُ تَرْجِعُ إِلَى السَّمْعِ الَّذِي ذُكِرَ أَوَّلًا وَيَنْدَرِجُ غَيْرُهُ تَحْتَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ [التَّوْبَةِ: ٦٢] فَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى الله، ورِضا رسوله يندرج في رضا اللَّهِ تَعَالَى، ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ﴾ [الأنعام: ٤٦] أَيْ: نُبَيِّنُ لَهُمُ الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، ﴿ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ [الأنعام: ٤٦] يُعْرِضُونَ عَنْهَا مُكَذِّبِينَ.
[٤٧] ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً﴾ [الأنعام: ٤٧] فجأة، ﴿أَوْ جَهْرَةً﴾ [الأنعام: ٤٧] مُعَايَنَةً تَرَوْنَهُ عِنْدَ نُزُولِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، ﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: ٤٧] الْمُشْرِكُونَ.
[٤٨]، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾ [الأنعام: ٤٨] العمل، ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ [الأنعام: ٤٨] حِينَ يَخَافُ أَهْلُ النَّارِ، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الأنعام: ٤٨] إِذَا حَزِنُوا.
[٤٩]، ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ﴾ [الأنعام: ٤٩] يُصِيبُهُمْ، ﴿الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأنعام: ٤٩] يَكْفُرُونَ.
[٥٠]، ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٥٠] نَزَلَ حِينَ اقْتَرَحُوا الْآيَاتِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: ﴿لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٥٠] أَيْ: خَزَائِنُ رِزْقِهِ فَأُعْطِيكُمْ مَا تريدون، ﴿وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ [الأنعام: ٥٠] فَأُخْبِرُكُمْ بِمَا غَابَ مِمَّا مَضَى وَمِمَّا سَيَكُونُ، ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [الأنعام: ٥٠] قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلَكَ يَقْدِرُ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآدَمِيُّ وَيُشَاهِدُ مَا لَا يُشَاهِدُهُ الْآدَمِيُّ، يُرِيدُ لَا أَقُولُ لَكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَتُنْكِرُونَ قَوْلِي وَتَجْحَدُونَ أَمْرِي، ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام: ٥٠] أَيْ: مَا آتِيكُمْ بِهِ فَمِنْ وَحْيِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ فِي الْعَقْلِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ وَالْحُجَجِ الْبَالِغَةِ، ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ [الأنعام: ٥٠] قَالَ قَتَادَةُ: الْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الضَّالُّ وَالْمُهْتَدِي، وَقِيلَ: الْجَاهِلُ والعالم، ﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ٥٠] أي: أنهما لا يستويان.
[٥١]، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ﴾ [الأنعام: ٥١] خَوِّفْ بِهِ أَيْ: بِالْقُرْآنِ، ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا﴾ [الأنعام: ٥١] يجمعوا ويبعثوا، ﴿إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ٥١] وَقِيلَ: يَخَافُونَ أَيْ: يَعْلَمُونَ، لِأَنَّ خَوْفَهُمْ إِنَّمَا كَانَ مِنْ عِلْمِهِمْ، ﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ﴾ [الأنعام: ٥١] من دون الله، ﴿وَلِيٌّ﴾ [الأنعام: ٥١] قريب ينفعهم، ماله ﴿وَلَا شَفِيعٌ﴾ [الأنعام: ٥١] يشفع لهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: ٥١] فَيَنْتَهُونَ عَمَّا نُهُوا عَنْهُ، وَإِنَّمَا نفَى الشَّفَاعَةَ لِغَيْرِهِ- مَعَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ يَشْفَعُونَ- لِأَنَّهُمْ لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
[٥٢] ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ [الأنعام: ٥٢] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ (بالغُدْوة) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَوَاوٍ بَعْدَهَا ها هنا وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بفتح الغين والدال وألف بعدها، (بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) يَعْنِي: صَلَاةَ الصُّبْحِ وصلاة العصر. ويروى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْفُقَرَاءِ كانوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْأَشْرَافِ: إِذَا صَلَّيْنَا فَأَخِّرْ هَؤُلَاءِ فَلْيُصَلُّوا خَلْفَنَا، فنزلت هذه الآية، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يَعْنِي يَذْكُرُونَ رَبَّهُمْ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ: حَقِيقَةُ الدعاء، ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٢] أَيْ: يُرِيدُونَ اللَّهَ بِطَاعَتِهِمْ. قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَطْلُبُونَ ثَوَابَ اللَّهِ فَقَالَ: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٥٢] أَيْ: لَا تُكَلَّفُ أَمْرَهُمْ وَلَا يَتَكَلَّفُونَ أَمْرَكَ، وَقِيلَ: لَيْسَ رِزْقُهُمْ عليك فتملهم ﴿فَتَطْرُدَهُمْ﴾ [الأنعام: ٥٢] وَلَا رِزْقُكَ عَلَيْهِمْ، قَوْلُهُ ﴿فَتَطْرُدَهُمْ﴾ [الأنعام: ٥٢] جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٥٢] وقوله: ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٢] جَوَابٌ لِقَوْلِهِ (وَلَا تَطْرُدِ) أَحَدُهُمَا جَوَابُ النَّفْيِ وَالْآخَرُ جَوَابُ النَّهْيِ.
[قوله تعالى وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ] مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا.....
[٥٣]، ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا﴾ [الأنعام: ٥٣] أي ابتلينا، ﴿بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ [الأنعام: ٥٣]


الصفحة التالية
Icon