الله، فَلَهَا صَلَاةٌ وَتَسْبِيحٌ وَخَشْيَةٌ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٤٤] وَقَالَ: ﴿وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النُّورِ: ٤١] وَقَالَ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ [الْحَجِّ: ١٨] الآية، فيجب على المرء الْإِيمَانُ بِهِ وَيَكِلُ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وجلّ: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ﴾ [البقرة: ٧٤] بساهٍ ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ٧٤] وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ، وَقِيلَ: بِتَارِكِ عُقُوبَةِ مَا تَعْمَلُونَ، بَلْ يُجَازِيكُمْ بِهِ.
[٧٥] قوله عزّ وجلّ: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ﴾ [البقرة: ٧٥] أَفَتَرْجُونَ، يُرِيدُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾ [البقرة: ٧٥] تُصَدِّقُكُمُ الْيَهُودُ بِمَا تُخْبِرُونَهُمْ بِهِ؟ ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٥] يعني: التوراة، ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ [البقرة: ٧٥] يُغَيِّرُونَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ [البقرة: ٧٥] علموه، غَيَّرُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآيَةَ الرَّجْمِ ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٧٥] أنهم كاذبون.
[قوله تعالى وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا]
[٧٦ٍ] قوله عزّ وجل: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٧٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي: مُنَافِقِي الْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ، ﴿قَالُوا آمَنَّا﴾ [البقرة: ٧٦] كإيمانكم، ﴿وَإِذَا خَلَا﴾ [البقرة: ٧٦] رجع ﴿بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة: ٧٦] كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَوَهْبُ بْنُ يَهُودَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ، لِأَمْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، ﴿قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٧٦] بِمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِكُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا حَقٌّ وَقَوْلَهُ صدق، والفتاح: القاص، وقال الكسائي: بما بينه لكم من العلم بِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْتِهِ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بِمَا أنزل اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَأَعْطَاكُمْ ﴿لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ﴾ [البقرة: ٧٦] ليخاصموكم به، ويعني: أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَجُّوا بِقَوْلِكُمْ عَلَيْكُمْ، فَيَقُولُوا: قَدْ أَقْرَرْتُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ حَقٌّ فِي كِتَابِكُمْ، ثُمَّ لَا تَتَّبِعُونَهُ؟. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ شَاوَرُوهُمْ فِي اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ حَقٌّ، ثُمَّ قَالَ بعضهم لبعض: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ليحاجوكم به؟. ويعني: لِتَكُونَ لَهُمُ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ. ﴿عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٧٦] فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقِيلَ: إِنَّهُمْ أَخْبَرُوا الْمُؤْمِنِينَ بِمَا عَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْجِنَايَاتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَذَابِ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ، لِيَرَوُا الْكَرَامَةَ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَيْكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ قَوْلُ يَهُودَ قُرَيْظَةَ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، فَقَالُوا: مَنْ أَخْبَرَ مُحَمَّدًا بِهَذَا؟ مَا خَرَجَ هَذَا إِلَّا مِنْكُمْ» (١) ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٧٦]
[٧٧] قوله عزّ وجلّ: ﴿أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾ [البقرة: ٧٧] يخفون، ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [البقرة: ٧٧] يُبْدُونَ، يَعْنِي الْيَهُودَ.
[٧٨] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ﴾ [البقرة: ٧٨] أَيْ: مِنَ الْيَهُودِ أُمِّيُّونَ لَا يُحْسِنُونَ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ جَمْعُ: أُمّي، ومنسوب إِلَى الْأُمِّ كَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا انْفَصَلَ مِنَ الْأُمِّ لَمْ يعلم كِتَابَةً وَلَا قِرَاءَةً، وَرُوِيَ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ» (٢) أَيْ: لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أُمِّ الْقُرَى وَهِيَ مَكَّةُ، ﴿لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة: ٧٨] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ. (أَماني)، بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ، كُلَّ الْقُرْآنِ، حَذَفَ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ تَخْفِيفًا، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالتَّشْدِيدِ، وهو جمع: أمنية وهي التلاوة، وقال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الْحَجِّ: ٥٢] أَيْ: فِي قِرَاءَتِهِ، قَالَ أَبُو عبيدة: إلا تلاوة وقراءة عن ظهر القلب لا يقرؤونه مِنْ كِتَابٍ، وَقِيلَ: يَعْلَمُونَهُ حِفْظًا وقراءة لا يعرفون معناه، قال
_________
(١) أخرجه الطبري ٢ / ٢٥٢ تحقيق أحمد شاكر وذكره ابن كثير ١ / ٢٠٧ تحقيق الوادعي.
(٢) رواه البخاري في الصوم باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لا نكتب ولا نحسب ٤ / ١٣٦، ومسلم في الصيام رقم (١٠٨٠) ٢ / ٧٦١ والمصنف في شرح السنة ٦ / ٢٢٨.


الصفحة التالية
Icon