﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ [البقرة: ١٠٢] هما اسمان سريانيان ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ [البقرة: ١٠٢] أَيْ: أَحَدًا وَ (مِنْ) صِلَةٌ ﴿حَتَّى﴾ [البقرة: ١٠٢] ينصحاه أولًا، ﴿يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٠٢] ابتلاءٌ ومحنة ﴿فَلَا تَكْفُرْ﴾ [البقرة: ١٠٢] أَيْ: لَا تَتَعَلَّمِ السِّحْرَ فَتَعْمَلَ بِهِ فَتَكْفُرَ، وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ: الِاخْتِبَارُ والامتحان ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] وهو أَنْ يُؤْخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ صَاحِبِهِ وَيُبَغَّضُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا هُمْ﴾ [البقرة: ١٠٢] قِيلَ: أَيِ السَّحَرَةُ. وَقِيلَ: الشَّيَاطِينُ، ﴿بِضَارِّينَ بِهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] أي: بالسحر ﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ [البقرة: ١٠٢] أَيْ أَحَدًا ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] أَيْ: بِعِلْمِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَالسَّاحِرُ يَسْحَرُ وَاللَّهُ يُكَوِّنُ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَعْنَاهُ إِلَّا بِقَضَائِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ﴾ [البقرة: ١٠٢] يعني: السِّحْرَ يَضُرُّهُمْ، ﴿وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ [البقرة: ١٠٢] يعني اليهود، ﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ [البقرة: ١٠٢] أَيِ اخْتَارَ السِّحْرَ، ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ﴾ [البقرة: ١٠٢] أي: في الجنة، ﴿مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ١٠٢] مِنْ نَصِيبٍ ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] باعوا به ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ [البقرة: ١٠٢] حظ أنفسهم حيث اختاروا السحر وَالْكُفْرَ عَلَى الدِّينِ وَالْحَقِّ، ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٠٢]
[١٠٣] ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٣] بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن، ﴿وَاتَّقَوْا﴾ [البقرة: ١٠٣] الْيَهُودِيَّةَ وَالسِّحْرَ، ﴿لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ [البقرة: ١٠٣] لَكَانَ ثَوَابُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ خَيْرًا لهم، ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٠٣]
[١٠٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: رَاعِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَ الْمُرَاعَاةِ، أَيْ: أَرْعِنَا سَمْعَكَ، أَيْ: فرّغ سمعك لكل منا وكانت هذه اللفظة سبًّا قَبِيحًا بِلُغَةِ الْيَهُودِ، وَقِيلَ: كَانَ مَعْنَاهَا عِنْدَهُمُ: اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ، وقيل: هي من الرعونة كانوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُحَمِّقُوا إِنْسَانًا قالوا: رَاعِنَا، بِمَعْنَى: يَا أَحْمَقُ، فَلَمَّا سَمِعَ الْيَهُودُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: كُنَّا نَسُبُّ مُحَمَّدًا سِرًّا فَأَعْلِنُوا بِهِ الْآنَ، فَكَانُوا يَأْتُونَهُ وَيَقُولُونَ: رَاعِنَا يَا مُحَمَّدُ وَيَضْحَكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] لكيلا يَجِدَ الْيَهُودُ بِذَلِكَ سبيَلًا إِلَى شَتْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، ﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] أَيِ انْظُرْ إِلَيْنَا، وَقِيلَ: انْتَظِرْنَا وتأنّ بنا ﴿وَاسْمَعُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَأَطِيعُوا، ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ١٠٤] يعني: اليهود، ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠٤]
[١٠٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [البقرة: ١٠٥] أي: ما يحب وما يتمنى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يعني: اليهود، ﴿وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٠٥] أي: خير ونبوة، و (مِنْ)، صلة، ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾ [البقرة: ١٠٥] بِنُبُوَّتِهِ، ﴿مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: ١٠٥] وَالْفَضْلُ ابْتِدَاءُ إِحْسَانٍ بِلَا عِلَّةٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ الْإِسْلَامُ وَالْهِدَايَةُ.


الصفحة التالية
Icon