أو التقصير، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ: تَمَامُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ تُحرم بهما مُفردَين مستأنَفَين من دُوَيْرِية أهلك وَقَالَ قَتَادَةُ: تَمَامُ العُمرة أَنْ تعمر فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أقام حتى حج فهي تمتعه، وعليه فيه الهَدي إِنْ وجدَه أَوِ الصِّيَامُ إنْ لَمْ يجِد الهَدْي، وَتَمَامُ الْحَجِّ أَنْ يُؤتي بِمَنَاسِكِهِ كُلِّهَا حتى لا يلزمه عمّا تَركَ دَمٌ بِسَبَبِ قِرَانٍ وَلَا متْعَةِ، وقال الضحاك: إتمامهما أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ حَلَالًا وَيَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ سفيان الثوري: إتمامهما أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ لَهُمَا، وَلَا تَخْرُجَ لِتِجَارَةٍ وَلَا لِحَاجَةٍ أخرى. وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الإحْصَارِ الَّذِي يُبِيحُ لِلْمُحْرِمِ التَّحَلُّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَانِعٍ يَمْنَعُهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى البيت الحرام والمضي فِي إِحْرَامِهِ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ أَوْ ضَلَالِ رَاحِلَةٍ يُبيح لَهُ التَّحَلُّلَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مسعود، وإبراهيم النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سفيان الثوري وأهل العراق، واحتجوا بما روي عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كُسر أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الحج من قابل» (١) وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يباح له التحليل إلَّا بِحَبْسِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: لَا حَصْرَ إلا حصر العدو، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. ثُمَّ الْمُحْصَرُ يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ وحلق الرأس، والهدي بشاة وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَمَحِلُّ ذَبْحِهِ حَيْثُ أُحْصِرَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ الْهَدْيَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِهَا، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ وَيَبْعَثُ بِهَدْيِهِ إِلَى الحَرَم ويُواعد مَنْ يَذْبَحُهُ هُنَاكَ ثُمَّ يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ العراق. ومعنى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، أَيْ: فَعَلَيْهِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَمَحَلُّهُ رَفْعٌ، وَقِيلَ: (مَا) فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، أَيْ: فاهد مَا اسْتَيْسَرَ، وَالْهَدْيُ جَمْعُ هَدِيَّةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُهدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ، وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شَاةٌ، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْيُسْرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ أَعْلَاهُ بَدَنَةٌ وَأَوْسَطُهُ بَقَرَةٌ وَأَدْنَاهُ شَاةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦] اخْتَلَفُوا فِي الْمَحِلِّ الذيَ يَحِلُّ الْمُحْصَرُ بِبُلُوغِ هَدْيِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ ذَبْحُهُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الحَرم، وَمَعْنَى (محلَّه) حَيْثُ يَحِلُّ ذَبْحُهُ فِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَحِلُّ هَدْيِ الْمُحْصَرِ: الحَرَم، فَإِنْ كَانَ حَاجًّا فَمَحِلُّهُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَمَحِلُّهُ يَوْمَ يَبْلُغُ هَدْيُهُ الْحَرَمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] معناه لا تحلقوا رؤوسكم فِي حَالِ الْإِحْرَامِ إِلَّا أَنْ تَضْطَرُّوا إِلَى حَلْقِهِ لِمَرَضٍ أَوْ لِأَذًى فِي الرَّأْسِ مِنْ هَوَامٍّ أو صُداع ﴿فَفِدْيَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٦] فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ فدية يُطعم فَرْقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أو يهدي شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] أَيْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ﴿أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] أَيْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، أَوْ نُسُكٍ، وَاحِدَتُهَا نَسِيكَةٌ، أَيْ: ذَبِيحَةٌ أَعْلَاهَا بَدَنَةٌ وَأَوْسَطُهَا بَقَرَةٌ وَأَدْنَاهَا شَاةٌ، أَيَّتَهَا شاءَ ذبحَ، فَهَذِهِ الْفِدْيَةُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرِ، وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ، وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ طَعَامٍ يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ يَكُونُ بِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، إِلَّا هَدْيًا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ فَإِنَّهُ يَذْبَحُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ يشاء، قوله تعالى:
_________
(١) رواه أبو داود في المناسك باب الإحصار ٢ / ٣٦٨، والترمذي في كتب الحج (٩٦)، باب ما جاء في الذي يُهل بالحج فيكسر أو يعرج، وأحمد ٣ / ٤٥٠، والمصنف في شرح السنة ٧ / ٢٨٨.