﴿وَلَا خُلَّةٌ﴾ [البقرة: ٢٥٤] ولا صداقة ﴿وَلَا شَفَاعَةٌ﴾ [البقرة: ٢٥٤] إلا بإذن الله ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٤] لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ موضعها.
[٢٥٥] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥] الباقي الدائم على الا بد وَهُوَ مَنْ لَهُ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ صفة الله تعالى القيوم قَالَ مُجَاهِدٌ: الْقَيُّومُ الْقَائِمُ عَلَى كل شيء، قال الْكَلْبِيُّ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْقَائِمُ بِالْأُمُورِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الَّذِي لَا يَزُولُ ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٥] السِّنَةُ النُّعَاسُ، وَهُوَ النَّوْمُ الْخَفِيفُ، الوسنان بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، يُقَالُ مِنْهُ وَسِنَ يسن وَسَنًا وَسِنَةً، وَالنَّوْمُ هو: الثقل المزيل للقوة والعقل نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ النَّوْمَ لِأَنَّهُ آفَةٌ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْآفَاتِ، وَلِأَنَّهُ تُغير وَلَا يجوز عليه التغير ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٥٥] مُلْكًا وَخَلْقًا، ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥] بِأَمْرِهِ ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٥] قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، يَعْنِي: الْآخِرَةَ لِأَنَّهُمْ يَقْدَمُونَ عَلَيْهَا، وما خلفهم من الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ يُخَلِّفُونَهَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: مَا مَضَى أَمَامَهُمْ، وَمَا خَلْفَهُمْ: مَا يَكُونُ بَعْدَهُمْ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا كان قبل الْمَلَائِكَةِ وَمَا خَلْفَهُمْ، أَيْ: مَا كَانَ بَعْدَ خَلْقِهِمْ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أَيْ: مَا قَدَّمُوهُ من خير وشر، وَمَا خَلْفَهُمْ مَا هُمْ فَاعِلُوهُ ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥] أَيْ: مِنْ عِلْمِ اللَّهِ ﴿إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة: ٢٥٥] أَنْ يُطْلِعَهُمْ عَلَيْهِ، يَعْنِي: لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ إِلَّا بِمَا شَاءَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرُّسُلَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا - إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٦ - ٢٧] وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [البقرة: ٢٥٥] أَيْ: سِعَتُهُ مِثْلُ سِعَةِ السَّمَاوَاتِ والأرض ﴿وَلَا يَئُودُهُ﴾ [البقرة: ٢٥٥] أَيْ: لَا يُثْقِلُهُ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، يُقَالُ: آدَنِي الشَّيْءُ أَيْ أثقلني، ﴿حِفْظُهُمَا﴾ [البقرة: ٢٥٥] أَيْ: حِفْظُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾ [البقرة: ٢٥٥] الرَّفِيعُ فَوْقَ خَلْقِهِ، وَالْمُتَعَالِي عَنِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَنْدَادِ، وَقِيلَ: الْعَلِيُّ بِالْمُلْكِ والسلطنة، ﴿الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: ٢٥٥] الْكَبِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ] الْغَيِّ....
[٢٥٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: ٢٥٦] لما أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ عَدَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْصَارِ فَأَرَادَتِ الْأَنْصَارُ اسْتِرْدَادَهُمْ، وَقَالُوا: هُمْ أَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيِّرُوا أَصْحَابَكُمْ فَإِنِ اخْتَارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ وَإِنِ اخْتَارُوهُمْ فَأَجْلُوهُمْ مَعَهُمْ» (١) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ نَاسٌ مُسْتَرْضَعِينَ فِي الْيَهُودِ مِنَ الْأَوْسِ فَلَمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، قَالَ الَّذِينَ كَانُوا مُسْتَرْضَعِينَ فِيهِمْ: لَنَذْهَبَنَّ
_________
(١) أخرجه الطبري في التفسير ٥ / ٤٠٩، والبيهقي في السنن ٩ / ١٨٦.