تَعَالَى: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النَّحْلِ: ٨١] يَعْنِي: الْحَرَّ وَالْبَرْدَ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أحدهما، ﴿وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ﴾ [الأنعام: ٩٩] أَيْ: وَأَخْرَجْنَا مِنْهُ جَنَّاتٍ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ عَنْ عَاصِمٍ (وَجَنَّاتٌ) بِالرَّفْعِ نسقا على قوله ﴿قِنْوَانٌ﴾ [الأنعام: ٩٩] وَعَامَّةُ الْقُرَّاءِ عَلَى خِلَافِهِ، ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَعْنِي: وَشَجَرَ الزَّيْتُونِ وَشَجَرَ الرُّمَّانِ، ﴿مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ مُشْتَبِهًا وَرَقُهَا مُخْتَلِفًا ثَمَرُهَا، لِأَنَّ وَرَقَ الزَّيْتُونِ يُشْبِهُ وَرَقَ الرُّمَّانِ، وَقِيلَ: مُشْتَبِهٌ فِي الْمَنْظَرِ مُخْتَلِفٌ فِي الطَّعْمِ، ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، هَذَا وَمَا بَعْدَهُ وَفِي يس عَلَى جَمْعِ الثِّمَارِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهِمَا عَلَى جَمْعِ الثَّمَرَةِ مِثْلُ بَقَرَةٍ وَبَقَرٍ، ﴿إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] وَنُضْجِهِ وَإِدْرَاكِهِ، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٩٩]
[١٠٠]، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾ [الأنعام: ١٠٠] يَعْنِي: الْكَافِرِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ الْجِنَّ شركاء، ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٠] يَعْنِي: وَهُوَ خَلَقَ الْجِنَّ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الزَّنَادِقَةِ أَثْبَتُوا الشَّرِكَةَ لِإِبْلِيسَ فِي الْخَلْقِ، فَقَالُوا: اللَّهُ خَالِقُ النُّورَ وَالنَّاسَ وَالدَّوَابَّ وَالْأَنْعَامَ، وَإِبْلِيسُ خَالِقُ الظُّلْمَةِ وَالسِّبَاعِ وَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [الصَّافَّاتِ: ١٥٨] وإبليس من الجن، ﴿وَخَرَقُوا﴾ [الأنعام: ١٠٠] بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ عَلَى التَّكْثِيرِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيِ: اخْتَلَقُوا ﴿لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الْيَهُودِ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقَوْلِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابن الله، وقول كفار مكة الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ فَقَالَ: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٠]
[١٠١] ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأنعام: ١٠١] أَيْ: مُبْدِعُهُمَا لَا عَلَى مِثَالٍ سَبَقَ، ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ﴾ [الأنعام: ١٠١] أَيْ: كَيْفَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ؟ ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾ [الأنعام: ١٠١] زَوْجَةٌ، ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٠١]
[قَوْلُهُ تَعَالَى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ] كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ....
[١٠٢]، ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾ [الأنعام: ١٠٢] فَأَطِيعُوهُ، ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام: ١٠٢] بالحفظ له والتدبير.
[١٠٣] ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: ١٠٣] يَتَمَسَّكُ أَهْلُ الِاعْتِزَالِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي نَفْيِ رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِيَانًا، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ إِثْبَاتُ رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وجل عيانا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ - إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [الْقِيَامَةِ: ٢٢ - ٢٣] وَقَالَ: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [الْمُطَفِّفِينَ: ١٥] قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ لَمْ يَرَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يُعَيِّرِ اللَّهُ الْكُفَّارَ بِالْحِجَابِ؟ وَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يُونُسَ: ٢٦] وَفَسَّرَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الله عز وجل. وعن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا» (١) وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] فاعلم أَنَّ الْإِدْرَاكَ غَيْرُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ هُوَ الْوُقُوفُ عَلَى كُنْهِ الشَّيْءِ وَالْإِحَاطَةُ بِهِ، وَالرُّؤْيَةُ: الْمُعَايَنَةُ، وَقَدْ تَكُونُ الرُّؤْيَةُ بِلَا إِدْرَاكٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ موسى عليه السلام: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ - قَالَ كَلَّا﴾ [الشُّعَرَاءِ: ٦١ - ٦٢] وَقَالَ: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] فَنَفَى الْإِدْرَاكَ مَعَ إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَجُوزُ أَنْ يُرَى مِنْ غَيْرِ إِدْرَاكٍ وَإِحَاطَةٍ كَمَا يُعْرَفُ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُحَاطُ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠] فَنَفَى الْإِحَاطَةَ مَعَ ثُبُوتِ الْعِلْمِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: كَلَّتْ أَبْصَارُ الْمَخْلُوقِينَ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، قوله: ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: ١٠٣] أي: لا يخفي على الله شَيْءٌ وَلَا يَفُوتُهُ، ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: اللَّطِيفُ بِأَوْلِيَائِهِ الْخَبِيرُ بِهِمْ، وقال الزهري مَعْنَى (اللَّطِيفِ) الرَّفِيقُ بِعِبَادِهِ، وَقِيلَ: اللطيف
_________
(١) أخرجه البخاري في التفسير ٨ / ٥٩٧ وفي التوحيد، ومسلم في المساجد رقم (٦٣٣) ١ / ٤٣٩ والمصنف في شرح السنة ٢ / ٢٢٤.


الصفحة التالية
Icon