لِأُولَاهُمُ الَّذِينَ شَرَعُوا لَهُمْ ذَلِكَ الدين، ﴿رَبَّنَا هَؤُلَاءِ﴾ [الأعراف: ٣٨] الذين، ﴿أَضَلُّونَا﴾ [الأعراف: ٣٨] عَنِ الْهُدَى يَعْنِي الْقَادَةَ ﴿فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ﴾ [الأعراف: ٣٨] أَيْ: ضَعِّفْ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ، ﴿قَالَ﴾ [الأعراف: ٣٨] الله تعالى، ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ [الأعراف: ٣٨] يَعْنِي لِلْقَادَةِ وَالْأَتْبَاعِ ضِعْفٌ مِنَ العذاب، ﴿وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٨] مَا لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْكُمْ مِنَ الْعَذَابِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: ﴿وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٨] وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ (لَا يَعْلَمُونَ) بِالْيَاءِ، أَيْ: لَا يَعْلَمُ الْأَتْبَاعُ مَا لِلْقَادَةِ وَلَا الْقَادَةِ مَا للأتباع.
[٣٩] ﴿وَقَالَتْ أُولَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٩] يعني القادة، ﴿لِأُخْرَاهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٩] لِلْأَتْبَاعِ، ﴿فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾ [الأعراف: ٣٩] لِأَنَّكُمْ كَفَرْتُمْ كَمَا كَفَرْنَا فَنَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي الْكُفْرِ سَوَاءٌ وَفِي الْعَذَابِ سَوَاءٌ، ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: ٣٩]
[٤٠] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ﴾ [الأعراف: ٤٠] بِالتَّاءِ، خَفَّفَ أَبُو عَمْرٍو، وَبِالْيَاءِ، خَفَّفَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ مشددة، ﴿لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾ [الأعراف: ٤٠] لِأَدْعِيَتِهِمْ وَلَا لِأَعْمَالِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِأَرْوَاحِهِمْ لِأَنَّهَا خَبِيثَةٌ لَا يُصْعَدُ بِهَا بَلْ يُهْوَى بِهَا إِلَى سِجِّينٍ، إِنَّمَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَدْعِيَتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ [الأعراف: ٤٠] أَيْ: حَتَّى يَدْخُلَ الْبَعِيرُ فِي ثقب الإبرة، والخياط والمخيط واحد وهو: الْإِبْرَةُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَبَدًا لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا عُلِّقَ بِمَا يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى تَأْكِيدِ الْمَنْعِ، كَمَا يُقَالُ: لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يَشِيبَ الْغُرَابُ أَوْ يَبْيَضَّ الْقَارُ، يُرِيدُ لَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا، ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٠]
[٤١] ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ [الأعراف: ٤١] أَيْ: فِرَاشٌ، ﴿وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف: ٤١] أَيْ: لُحُفٌ. وَهِيَ جَمْعُ غَاشِيَةٍ، يَعْنِي مَا غَشَّاهُمْ وَغَطَّاهُمْ، يُرِيدُ إِحَاطَةَ النَّارِ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزُّمَرِ: ١٦] ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤١]
[٤٢] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأعراف: ٤٢] أَيْ: طَاقَتَهَا وَمَا لَا تُحْرَجُ فِيهِ وَلَا تَضِيقُ عَلَيْهِ، ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٤٢]
[٤٣] ﴿وَنَزَعْنَا﴾ [الأعراف: ٤٣] وَأَخْرَجْنَا، ﴿مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾ [الأعراف: ٤٣] مِنْ غِشٍّ وَعَدَاوَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَجَعَلْنَاهُمْ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لَا يَحْسُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى شَيْءٍ خَصَّ اللَّهُ بِهِ بَعْضَهُمْ. ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ [الأعراف: ٤٣] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ [الأعراف: ٤٣] أَيْ إِلَى هَذَا، يَعْنِي طَرِيقَ الْجَنَّةِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَعْنَاهُ هَدَانَا لِعَمَلٍ هَذَا ثَوَابُهُ، ﴿وَمَا كُنَّا﴾ [الأعراف: ٤٣] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: (مَا كُنَّا) بِلَا وَاوٍ، ﴿لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٤٣] هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَوْا مَا وَعَدَهُمُ الرُّسُلُ عَيَانًا، ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣]


الصفحة التالية
Icon