فَصَيَّرَهُمُ اللَّهُ إِخْوَانًا بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَعْدَاءً، ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: ٦٣]
[٦٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ٦٤] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا وَسِتُّ نِسْوَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَتَمَّ بِهِ الْأَرْبَعُونَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ (مَنْ) فَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ مَحَلُّهُ خَفْضٌ، عَطْفًا عَلَى الْكَافِ في قوله. ﴿حَسْبُكَ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٦٤] وَحَسْبُ مَنِ اتَّبَعَكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رَفْعٌ عَطْفًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ مَعْنَاهُ: حَسْبُكَ اللَّهُ وَمُتَّبِعُوكَ من المؤمنين.
[٦٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ [الأنفال: ٦٥] أَيْ: حُثَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ. ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ﴾ [الأنفال: ٦٥] رجلا، ﴿صَابِرُونَ﴾ [الأنفال: ٦٥] محتسبون، ﴿يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٥] مِنْ عَدُوِّهِمْ يَقْهَرُوهُمْ، ﴿وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ﴾ [الأنفال: ٦٥] صَابِرَةٌ مُحْتَسِبَةٌ، ﴿يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنفال: ٦٥] ذَلِكَ ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [الأنفال: ٦٥] أَيْ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى غَيْرِ احْتِسَابٍ، وَلَا طَلَبِ ثَوَابٍ، وَلَا يَثْبُتُونَ إِذَا صَدَقْتُمُوهُمُ الْقِتَالَ خَشْيَةَ أَنْ يُقْتَلُوا، وَهَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَكَانَ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قِتَالَ عَشَرَةٍ مِنَ الْكَافِرِينَ، فَثَقُلَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَنَزَلَ:
[٦٦] ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ [الأنفال: ٦٦] ضَعْفًا فِي الْوَاحِدِ عَنْ قِتَالِ الْعَشَرَةِ وَفِي الْمِائَةِ عَنْ قِتَالِ الألف ط، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: ضُعَفَاءُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمَدِّ عَلَى الْجَمْعِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، ﴿فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٦] مِنَ الْكُفَّارِ، ﴿وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٦٦] فَرَدَّ مِنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الِاثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الشَّطْرِ مِنْ عَدُوِّهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا. وَقَالَ سُفْيَانُ قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: وَأَرَى الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مِثْلَ هَذَا.
[٦٧] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى﴾ [الأنفال: ٦٧] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ. تَكُونَ بِالتَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: (أسارَى)، وَالْآخَرُونَ. (أسْرَى)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَجِيءَ بِالْأَسْرَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ. يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ فَاسْتَبْقِهِمْ، وَاسْتَأْنِ بِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، وَخُذْ مِنْهُمْ فِدْيَةً تَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَّبُوكَ، وَأَخْرَجُوكَ قَدِّمْهُمْ نضرب أعناقهم، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ، فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ، ثُمَّ أضرم عليهم نارا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُمْ، ثُمَّ