قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ الْعَبَّاسُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ،» فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى﴾ [الأنفال: ٧٠] الذين أخذتم مِنْهُمُ الْفِدَاءَ ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا﴾ [الأنفال: ٧٠] أَيْ: إِيمَانًا، ﴿يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٧٠] من الفداء، ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧٠] ذنوبكم ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنفال: ٧٠] قَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَبْدَلَنِي اللَّهُ عَنْهَا عِشْرِينَ عَبْدًا كُلُّهُمْ تَاجِرٌ يَضْرِبُ بِمَالٍ كَثِيرٍ وَأَدْنَاهُمْ يَضْرِبُ بِعِشْرِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مَكَانَ عِشْرِينَ أُوقِيَّةً، وَأَعْطَانِي زَمْزَمَ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا جَمِيعَ أَمْوَالِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.
[٧١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ﴾ [الأنفال: ٧١] يَعْنِي الْأَسَارَى، ﴿فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ [الأنفال: ٧١] ببدر، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: ٧١] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَرَادَ بِالْخِيَانَةِ الْكُفْرَ، أَيْ: إِنْ كَفَرُوا بِكَ، فَقَدْ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ قَبْلُ، فَأَمْكَنُ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِبَدْرٍ حَتَّى قَتَلُوهُمْ، وَأَسَرُوهُمْ، وَهَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ إِنْ عَادُوا إِلَى قِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ ومعاداتهم.
[٧٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا﴾ [الأنفال: ٧٢] أَيْ: هَجَرُوا قَوْمَهُمْ وَدِيَارَهُمْ، يَعْنِي المهاجرين من مكة، ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا﴾ [الأنفال: ٧٢] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ، أَيْ: أَسْكَنُوهُمْ منازلهم ﴿وَنَصَرُوا﴾ [الأنفال: ٧٢] أَيْ: وَنَصَرُوهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَهُمُ الْأَنْصَارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ﴿أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ﴾ [الأنفال: ٧٢] دُونَ أَقْرِبَائِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ. قِيلَ: فِي الْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الْمِيرَاثِ، وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ، فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَتَوَارَثُونَ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَكَانَ مَنْ آمَنَ، وَلَمْ يُهَاجِرْ لَا يَرِثُ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُهَاجِرِ حَتَّى كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ، وَانْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ، وَتَوَارَثُوا بِالْأَرْحَامِ حَيْثُ مَا كَانُوا، وَصَارَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٧٥] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنفال: ٧٢] يعني الميراث، ﴿حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ [الأنفال: ٧٢] قَرَأَ حَمْزَةُ (وِلَايَتِهِمُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهُمَا وَاحِدٌ كَالدِّلَالَةِ وَالدَّلَالَةِ. ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [الأنفال: ٧٢] أَيِ: اسْتَنْصَرَكُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا، ﴿فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [الأنفال: ٧٢] عَهْدٌ فَلَا تَنْصُرُوهُمْ عَلَيْهِمْ، ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الأنفال: ٧٢]
[٧٣] ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٧٣] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الْمِيرَاثِ، أَيْ: يَرِثُ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنفال: ٧٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَّا تَأْخُذُوا فِي الْمِيرَاثِ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِلَّا تَعَاوَنُوا وَتَنَاصَرُوا. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: جَعَلَ اللَّهُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَهْلَ وِلَايَةٍ فِي الدِّينِ


الصفحة التالية
Icon