الْبَلَاءُ وَالْحَزَنُ، وَلَا يَرَوْنَ فِي محمد ودينه إلا ما يكرهون وما يسوؤهم، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: (دَائِرَةُ السُّوْءِ) هَاهُنَا، وَفِي سُورَةِ الْفَتْحِ بِضَمِّ السِّينِ، مَعْنَاهُ: الضُّرُّ وَالْبَلَاءُ وَالْمَكْرُوهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ: الرِّدَّةُ وَالْفَسَادُ، وَبِالضَّمِّ الضُّرُّ وَالْمَكْرُوهُ، ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٨] نَزَلَتْ فِي أَعْرَابِ أَسَدٍ وغَطَفَانَ وَتَمِيمٍ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ:
[٩٩] ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٩٩] قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ بَنُو مُقَرِّنٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَسْلَمُ وغفار وجهينة ﴿وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٩٩] الْقُرُبَاتُ جَمْعُ الْقُرْبَةِ، أَيْ: يَطْلُبُ الْقُرْبَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، ﴿وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ﴾ [التوبة: ٩٩] أَيْ: دُعَاءَهُ وَاسْتِغْفَارَهُ، قَالَ عَطَاءٌ: يَرْغَبُونَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ﴿أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٩] قَرَأَ نَافِعٌ بِرِوَايَةِ وَرْشٍ قُرُبَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا، ﴿سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ [التوبة: ٩٩] فِي جَنَّتِهِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٩]
[قَوْلِهِ تَعَالَى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ] وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ....
[١٠٠] ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١٠٠] الْآيَةَ، قَرَأَ يَعْقُوبُ بِالرَّفْعِ، عَطْفًا على قوله: ﴿وَالسَّابِقُونَ﴾ [التوبة: ١٠٠] واختلفوا في السابقين، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَقَتَادَةُ وَابْنُ سَيْرَيْنَ وَجَمَاعَةٌ: هُمُ الَّذِينَ صَلَّوا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: هُمْ أهْلُ بَدْرٍ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُمُ الَّذِينَ شهدوا بيعة الرضوان، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٠] الَّذِينَ هَاجَرُوا قَوْمَهُمْ وَعَشِيرَتَهُمْ وَفَارَقُوا أوطانهم ﴿وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١٠٠] أَيْ: وَمِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمُ الَّذِينَ نَصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَآوَوْا أَصْحَابَهُ، ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ [التوبة: ١٠٠] قيل: بَقِيَّةُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ سِوَى السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ سَلَكُوا سَبِيلَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ أَوِ النُّصْرَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمُ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الْمُهَاجِرِينَ والأنصار بالترحم والدعاء، ثُمَّ جَمَعَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الثَّوَابِ فَقَالَ: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ﴾ [التوبة: ١٠٠] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: (مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ مَكَّةَ، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٠]
[١٠١] ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ﴾ [التوبة: ١٠١] وَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ وَأَسْلَمَ وَغِفَارٍ كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، يَقُولُ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ منافقون، ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ﴾ [التوبة: ١٠١] أَيْ: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قَوْمٌ مُنَافِقُونَ، ﴿مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ [التوبة: ١٠١] أَيْ: مُرِّنُوا عَلَى النِّفَاقِ، يُقَالُ: تَمَرَّدَ فَلَانٌ عَلَى رَبِّهِ أَيْ: عَتَا، وَمَرَدَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ أَيْ: مُرِّنَ، وَثَبَتَ عَلَيْهَا وَاعْتَادَهَا، وَمِنْهُ: الْمُرِيدُ وَالْمَارِدُ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَجُّوا فِيهِ