بتشديد اللام على الاستثناء، ويدل على قراءة يعقوب تَفْسِيرُ الضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ: لَا يَزَالُونَ في شك منه وندامة إلى أن يموتوا فحينئذ يستيقنون، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٠]
[١١١] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ [التوبة: ١١١] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: لَمَّا بَايَعَتِ الْأَنْصَارُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ بِمَكَّةَ، وَهْم سَبْعُونَ نَفْسًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، فَقَالَ: أَشْتَرِطُ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، قَالُوا: فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَا لَنَا؟ قَالَ: الْجَنَّةُ، قَالُوا: رَبِحَ الْبَيْعُ لَا نُقِيلُ وَلَا نَسْتَقِيلُ فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: ١١١] وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ (بِالْجَنَّةِ) ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ [التوبة: ١١١] وقرأ حمزة والكسائي: (فيقتلون) بضم الياء وفتح التاء (ويقتلون) بفتح الياء وضم التاء على تقديم فعل المفعول على فعل الفاعل، يعني: يقتل بعضهم ويقتل الباقون، وقرأ الباقون (فيقتلون) بفتح الياء وضم التاء (ويقتلون) بضم الياء وفتح التاء على تقديم فعل الفاعل على ما فعل المفعول، والوجه أنهم يقتلون الكفار أولًا ثم يستشهدون، هذا الوجه أظهر، والقراءة به أكثر، ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ [التوبة: ١١١] أَيْ: ثَوَابُ الْجَنَّةِ لَهُمْ وَعْدٌ وحقٌ ﴿فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾ [التوبة: ١١١] يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَهُمْ هَذَا الْوَعْدَ وَبَيَّنَهُ فِي هذه الكتب، وفيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْمِلَلِ كُلِّهُمْ أُمِرُوا بِالْجِهَادِ عَلَى ثَوَابِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ هَنَّأَهُمْ فَقَالَ: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا﴾ [التوبة: ١١١] فَافْرَحُوا ﴿بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١١١] قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَايَعَكَ وَجَعَلَ الصَّفْقَتَيْنِ لَكَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: ثَامَنَهُمُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَأَغْلَى لهم، وقال الحسن: اسعوا إِلَى بَيْعَةٍ رَبِيحَةٍ بَايَعَ اللَّهُ بِهَا كُلَّ مُؤْمِنٍ، وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ الدُّنْيَا فَاشْتَرِ الْجَنَّةَ بِبَعْضِهَا، ثُمَّ وَصَفَهُمْ فقال:
[قَوْلُهُ تَعَالَى التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ] الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ....
[١١٢] ﴿التَّائِبُونَ﴾ [التوبة: ١١٢] قَالَ الْفَرَّاءُ: اسْتُؤْنِفَتْ بِالرَّفْعِ لِتَمَامِ الْآيَةِ، وَانْقِطَاعِ الْكَلَامِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: التائبون رفع بالابتداء، وخبره مضمر، والمعنى التَّائِبُونَ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ لَهُمُ الْجَنَّةُ أَيْضًا، أَيْ: مَنْ لَمْ يُجَاهِدْ غَيْرَ مُعَانِدٍ وَلَا قَاصِدٍ لِتَرْكِ الْجِهَادِ، لِأَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ يَجْزِي عَنْ بَعْضٍ فِي الْجِهَادِ، فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ أَيْضًا، وَهَذَا أَحْسَنُ، فَكَأَنَّهُ وَعَدَ الْجَنَّةَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [النِّسَاءِ: ٩٥] فَمَنْ جَعَلَهُ تَابِعًا لِلْأَوَّلِ فلهم الوعد بالجنة أيضا، وإن كان الوعد بالجنة للمجاهدين الموصوفين بهذه الصفات، قوله: ﴿التَّائِبُونَ﴾ [التوبة: ١١٢] أَيِ: الَّذِينَ تَابُوا مِنَ الشِّرْكِ وبرؤوا من


الصفحة التالية
Icon