﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٢] مِنَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْبَلَاءِ وَتَرَكِ الشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كما زين لكم أعمالكم، كذلك زَيَّنَ لِلْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَنْ قبلكم أعمالهم.
[١٣] ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ [يونس: ١٣] أشركوا، ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ﴾ [يونس: ١٣] أَيْ: كَمَا أَهْلَكْنَاهُمْ بِكُفْرِهِمْ، ﴿نَجْزِي﴾ [يونس: ١٣] نعاقب ونهلك، ﴿الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يونس: ١٣] الْكَافِرِينَ بِتَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُخَوِّفُ كَفَّارَ مَكَّةَ بِعَذَابِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ الْمُكَذِّبَةِ.
[١٤] ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ﴾ [يونس: ١٤] أَيْ: خُلَفَاءَ، ﴿فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [يونس: ١٤] أَيْ: مِنْ بَعْدِ الْقُرُونِ الَّتِي أهلكناهم، ﴿لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٤] وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ» (١).
[قَوْلُهُ تعالى وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ] الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ....
[١٥] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ [يونس: ١٥] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هَمْ خَمْسَةُ نَفَرٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَمِكْرَزُ بْنُ حفص وعمرو بْنِ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ الْعَامِرِيُّ والعاصُ بْنُ عَامِرِ بن هشام، ﴿قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ [يونس: ١٥] هَمُ السَّابِقُ ذِكْرُهُمْ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ نُؤْمِنَ بِكَ ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا﴾ [يُونُسَ: ١٥] لَيْسَ فِيهِ تَرْكُ عِبَادَةِ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ وَلَيْسَ فِيهِ عَيْبُهَا، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْهَا اللَّهُ فَقُلْ أَنْتَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِكَ، ﴿أَوْ بَدِّلْهُ﴾ [يونس: ١٥] فَاجْعَلْ مَكَانَ آيَةِ عَذَابٍ آيَةَ رَحْمَةٍ، أَوْ مَكَانَ حَرَامٍ حَلَالًا أَوْ مَكَانَ حَلَّالٍ حَرَامًا، ﴿قُلْ﴾ [يونس: ١٥] لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، ﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾ [يونس: ١٥] مِنْ قِبَلِ نَفْسِي ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [يونس: ١٥] أَيْ: مَا أَتْبَعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْهُ، ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [يونس: ١٥]
[١٦] ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ﴾ [يونس: ١٦] يَعْنِي: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَيَّ. ﴿وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦] أَيْ: وَلَا أَعْلَمَكُمُ اللَّهُ، قَرَأَ الْبَزِّيُّ عَنْ ابْنِ كَثِيرٍ: (وَلَأَدْرَاكُمْ بِهِ) بِالْقَصْرِ بِهِ عَلَى الْإِيجَابِ، يُرِيدُ وَلَا عَلَّمَكُمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَتِي عَلَيْكُمْ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (وَلَا أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ)، مِنَ الْإِنْذَارِ، ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا﴾ [يونس: ١٦] حِينًا، وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً، ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ [يونس: ١٦] مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَلَمْ آتكم بشيء، ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [يونس: ١٦] أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قِبَلِي، وَلَبِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِمْ قَبْلَ الْوَحْيِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْوَحْيِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ هَاجَرَ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثلاث وستين سنة.
[١٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [يونس: ١٧] فَزَعَمَ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا أَوْ ولدا ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ [يونس: ١٧] بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ، ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: ١٧] لَا يَنْجُو الْمُشْرِكُونَ.
[١٨] ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ﴾ [يونس: ١٨] إِنْ عَصَوْهُ وَتَرَكُوا عِبَادَتَهُ، ﴿وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ [يونس: ١٨] إِنْ عَبَدُوهُ، يَعْنِي: الْأَصْنَامَ، ﴿وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ﴾ [يونس: ١٨] أَتُخَبِّرُونَ اللَّهَ، ﴿بِمَا لَا يَعْلَمُ﴾ [يونس: ١٨] اللَّهُ صِحَّتَهُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَتُخَبِّرُونَ الله أن له شريكا وعنده شَفِيعًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا يَعْلَمُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ شَرِيكًا؟! ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس: ١٨] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (تُشْرِكُونَ) بِالتَّاءِ ها هنا وَفِي سُورَةِ النَّحْلِ مَوْضِعَيْنِ، وَفِي سُورَةِ الرُّومِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ كُلَّهَا بِالْيَاءِ.
[١٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [يونس: ١٩] أَيْ: عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ﴿فَاخْتَلَفُوا﴾ [يونس: ١٩] وَتَفَرَّقُوا إِلَى مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾ [يونس: ١٩] بِأَنْ جَعَلَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلًا، وقال
_________
(١) رواه مسلم في الرقاق رقم (٢٧٤٢) ٤ / ٢٠٩٨ والمصنف في شرح السنة ٩ / ١٢.


الصفحة التالية
Icon