أَيْ: مِنَ السَّمَاءِ بِالْمَطَرِ وَمِنَ الْأَرْضِ بِالنَّبَاتِ، ﴿أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾ [يونس: ٣١] أَيْ: مِنْ إِعْطَائِكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ، ﴿وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [يونس: ٣١] يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ النُّطْفَةِ وَالنُّطْفَةَ مِنَ الْحَيِّ، ﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ [يونس: ٣١] أَيْ: يَقْضِي الْأَمْرَ، ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ [يونس: ٣١] هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، ﴿فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٣١] أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَابَهُ فِي شِرْكِكُمْ، وَقِيلَ: أَفَلَا تَتَّقُونَ الشِّرْكَ مَعَ هَذَا الْإِقْرَارِ.
[٣٢] ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ﴾ [يونس: ٣٢] الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هُوَ رَبُّكُمُ، ﴿الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس: ٣٢] أَيْ: فَأَيْنَ تُصْرَفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وأنتم مقرون به.
[٣٣] ﴿كَذَلِكَ﴾ [يونس: ٣٣] قال الكلبي: هكذا، ﴿حَقَّتْ﴾ [يونس: ٣٣] وجبت، ﴿كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ [يونس: ٣٣] حُكْمُهُ السَّابِقُ، ﴿عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ [يونس: ٣٣] كفروا، ﴿أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ٣٣] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عامر (كلمات ربك) بالجمع ههنا مَوْضِعَيْنِ وَفِي الْمُؤْمِنِ، وَالْآخَرُونَ عَلَى التوحيد.
[قوله تعالى قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ] ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ....
[٣٤] قَوْلُهُ: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ [يونس: ٣٤] أوثانكم ﴿مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ [يونس: ٣٤] يُنْشِئُ الْخَلْقَ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ ولا مثال، ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: ٣٤] ثم يحييه من الْمَوْتِ كَهَيْئَتِهِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ وَإِلَّا فـ ﴿قُلْ﴾ [يونس: ٣٤] أَنْتَ، ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [يونس: ٣٤] أَيْ: تُصْرَفُونَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ.
[٣٥] ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي﴾ [يونس: ٣٥] يرشد، ﴿إِلَى الْحَقِّ﴾ [يونس: ٣٥] فَإِذَا قَالُوا لَا، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، ﴿قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ [يونس: ٣٥] أَيْ: إِلَى الْحَقِّ، ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى﴾ [يونس: ٣٥] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ سَاكِنَةَ الْهَاءِ، خَفِيفَةَ الدَّالِّ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ، ثُمَّ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالُونُ: بِسُكُونِ الْهَاءِ، وَأَبُو عَمْرٍو: يروم الْهَاءِ بَيْنَ الْفَتْحِ وَالسُّكُونِ، وَقَرَأَ حفص: بفتح الياء وكسر الياء، وَأَبُو بَكْرٍ: بِكَسْرِهِمَا، وَالْبَاقُونَ: بِفَتْحِهِمَا، وَمَعْنَاهُ: يَهْتَدِي فِي جَمِيعِهَا، فَمَنْ خالف الدَّالَ قَالَ: يُقَالُ هَدَيْتُهُ فَهُدِي، أَيِ: اهْتَدَى، وَمَنْ شَدَّدَ الدَّالَ أَدْغَمَ التَّاءَ فِي الدَّالِ، ثُمَّ أَبُو عَمْرٍو يَرُومُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي إِيثَارِ التَّخْفِيفِ، وَمَنْ سَكَّنَ الْهَاءَ تَرَكَهَا عَلَى حَالَتِهَا كَمَا فعل في (تعدو) و (خصمون)، وَمَنْ فَتَحَ الْهَاءَ نَقَلَ فَتْحَةَ الهاء الْمُدْغَمَةِ إِلَى الْهَاءِ، وَمَنْ كَسَرَ الْهَاءَ فَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَقَالَ: الْجَزْمُ يُحَرَّكُ إِلَى الْكَسْرِ، وَمِنْ كَسَرَ الياء مع الهاء أتبع الكسر إلى الْكَسْرَةَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾ [يونس: ٣٥] مَعْنَى الْآيَةِ: اللَّهُ الَّذِي يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ أَمِ الصَّنَمُ الَّذِي لَا يَهْتَدِي إِلَّا أَنْ يُهْدَى، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قال: ﴿إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾ [يونس: ٣٥] وَالصَّنَمُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَهْتَدِيَ، وَلَا أَنْ يُهْدَى؟ قِيلَ: مَعْنَى الْهِدَايَةِ فِي حَقِّ الْأَصْنَامِ الِانْتِقَالُ، أَيْ: أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ إِلَّا أَنْ تحمل وتنقل، بين بِهِ عَجْزُ الْأَصْنَامِ، وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ: أَنَّ ذِكْرَ الْهِدَايَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا اتَّخَذُوا الْأَصْنَامَ آلِهَةً، وَأَنْزَلُوهَا مَنْزِلَةَ مَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ عَبَّرَ عنهما بِمَا يُعَبَّرُ عَمَّنْ يَعْلَمُ وَيَعْقِلُ، وَوُصِفَتْ بِصِفَةِ مَنْ يَعْقِلُ. ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥] كَيْفَ تَقْضُونَ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الله شَرِيكًا.
[٣٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا﴾ [يونس: ٣٦] مِنْهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَصْنَامَ آلِهَةٌ، وَإِنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ظَنًّا مِنْهُمْ، لَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا رَسُولٌ، وَأَرَادَ بِالْأَكْثَرِ جَمِيعَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ، ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ [يونس: ٣٦] أَيْ: لَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ مِنْ عذاب الله شيئًا، وقيل: يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [يونس: ٣٦]
[٣٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [يونس: ٣٧] قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ: وَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٦١] وَقِيلَ: (أَنْ) بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ لِيُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ.