﴿فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ [هود: ٣٢] مِنَ الْعَذَابِ ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [هود: ٣٢]
[٣٣]، ﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ﴾ [هود: ٣٣] يَعْنِي: بِالْعَذَابِ، ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [هود: ٣٣]
[٣٤] ﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي﴾ [هود: ٣٤] أَيْ: نَصِيحَتِي، ﴿إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود: ٣٤] يضلكم، ﴿هُوَ رَبُّكُمْ﴾ [هود: ٣٤] لَهُ الْحُكْمُ وَالْأَمْرُ ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [هود: ٣٤] فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ.
[٣٥] ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [هود: ٣٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: يَعْنِي نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي﴾ [هود: ٣٥] أَيْ: إِثْمِي وَوَبَالُ جُرْمِي، وَالْإِجْرَامُ: كَسْبُ الذَّنْبِ. ﴿وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾ [هود: ٣٥] لَا أُؤَاخِذُ بِذُنُوبِكُمْ.
[٣٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ﴾ [هود: ٣٦] فَلَا تَحْزَنْ، ﴿بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [هود: ٣٦] فإني مهلكهم، ولا منقذ منهما، فحينئذ دعا نوح عليهم: فقال ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ:
[٣٧] ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [هود: ٣٧] أي: بِأَمْرِنَا. ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧] بِالطُّوفَانِ، قِيلَ مَعْنَاهُ لَا تُخَاطِبْنِي في إمهال الكفار، فإني حَكَمْتُ بِإِغْرَاقِهِمْ، وَقِيلَ: لَا تُخَاطِبْنِي فِي ابْنِكَ كَنْعَانَ، وَامْرَأَتِكَ وَاعِلَةَ؛ فإنهما هالكان مع القوم.
[قوله تعالى وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ] مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ....
[٣٨] قوله تعالى: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ﴾ [هود: ٣٨] فَلَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَصْنَعَ الْفُلْكَ أَقْبَلَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى عَمَلِ الْفُلْكِ، وَلَهَا عَنْ قَوْمِهِ، وَجَعَلَ يَقْطَعُ الْخَشَبَ، وَيَضْرِبُ الْحَدِيدَ، وَيُهَيِّئُ عِدَّةَ الْفُلْكِ مِنَ الْقَارِ وَغَيْرِهِ، وَجَعَلَ قَوْمُهُ يَمُرُّونَ بِهِ -وَهُوَ فِي عَمَلِهِ- وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ قَدْ صِرْتَ نَجَّارًا بَعْدَ النُّبُوَّةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ [هود: ٣٨] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَدْ صَارَ نَجَّارًا، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: يَا نُوحُ مَاذَا تَصْنَعُ؟ فَيَقُولُ أَصْنَعُ بَيْتًا يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ، فَيَضْحَكُونَ مِنْهُ، ﴿قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ﴾ [هود: ٣٨] إِذَا عَايَنْتُمْ عَذَابَ اللَّهِ، ﴿كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ [هود: ٣٨] فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَجُوزُ السُّخْرِيَةُ مِنَ النَّبِيِّ؟ قِيلَ: هَذَا عَلَى ازْدِوَاجِ الْكَلَامِ، يَعْنِي إِنْ تَسْتَجْهِلُونِي فَإِنِّي أَسْتَجْهِلُكُمْ إِذَا نَزَلَ الْعَذَابُ بِكُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَسَتَرَوْنَ عَاقِبَةَ سُخْرِيَتِكُمْ.
[٣٩] ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ [هود: ٣٩] يهينه، ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ﴾ [هود: ٣٩] يجب عليه، ﴿عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [هود: ٣٩] دَائِمٌ.
[٤٠] ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ [هود: ٤٠] عذابنا، ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] اخْتَلَفُوا فِي التَّنُّورِ، قَالَ عِكْرِمَةُ