إِنْسَانًا بِالذِّلَّةِ، فَتَقُولُ: نَاصِيَةُ فُلَانٍ بِيَدِ فُلَانٍ، وَكَانُوا إِذَا أَسَرُوا إِنْسَانًا وَأَرَادُوا إِطْلَاقَهُ وَالْمَنَّ عَلَيْهِ جزوا ناصته لِيَعْتَدُّوا بِذَلِكَ فَخْرًا عَلَيْهِ، فَخَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِمَا يَعْرِفُونَ. ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] يَعْنِي: إِنَّ ربِّيَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَظْلِمُهُمْ وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا بِالْإِحْسَانِ وَالْعَدْلِ، فَيُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِعِصْيَانِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ دِينَ رَبِّي صراط مستقيم، وقيل: شبه إِضْمَارٌ، أَيْ: إِنَّ رَبِّي يُحِثُّكُمْ وَيَحْمِلُكُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
[٥٧] ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ [هود: ٥٧] أَيْ: تَتَوَلَّوْا، يَعْنِي: تُعْرِضُوا عَمَّا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ، ﴿فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ [هود: ٥٧] أَيْ: إِنْ أَعْرَضْتُمْ يُهْلِكْكُمُ اللَّهُ عز وجل، ويستبدل قَوْمًا غَيْرَكُمْ أَطْوَعَ مِنْكُمْ يُوَحِّدُونَهُ ويعبدونه، ﴿وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا﴾ [هود: ٥٧] بِتَوَلِّيكُمْ وَإِعْرَاضِكُمْ إِنَّمَا تَضُرُّونَ أَنْفُسَكُمْ، وَقِيلَ: لَا تُنْقِصُونَهُ شَيْئًا إِذَا أَهْلَكَكُمْ؛ لِأَنَّ وُجُودَكُمْ وَعَدَمَكُمْ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [هود: ٥٧] أَيْ: لِكُلِّ شَيْءٍ حَافِظٌ، يَحْفَظُنِي مِنْ أَنْ تَنَالُونِي بِسُوءٍ.
[٥٨] قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ [هود: ٥٨] عَذَابُنَا، ﴿نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ [هود: ٥٨] وكانوا أربعة آلاف. ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ [هود: ٥٨] بِنِعْمَةٍ ﴿مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [هود: ٥٨] وَهُوَ الرِّيحُ الَّتِي أَهْلَكَ بِهَا عَادًا، وَقِيلَ: الْعَذَابُ الْغَلِيظُ: عَذَابُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيْ: كَمَا نَجَّيْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعَذَابِ كَذَلِكَ نَجَّيْنَاهُمْ فِي الْآخِرَةِ.
[٥٩] ﴿وَتِلْكَ عَادٌ﴾ [هود: ٥٩] رَدَّهُ إِلَى الْقَبِيلَةِ، ﴿جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ﴾ [هود: ٥٩] يَعْنِي: هُودًا وَحَدَهُ، ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا واحدًا كَانَ كَمَنْ كَذَّبَ جَمِيعَ الرُّسُلِ، ﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [هود: ٥٩] وَاتَّبَعَ السَّفَلَةُ وَالسُّقَّاطُ أَهْلَ التَّكَبُّرِ وَالْعِنَادِ، وَالْجَبَّارُ: الْمُتَكَبِّرُ، وَالْعَنِيدُ: الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْحَقَّ، يُقَالُ: عَنَدَ الرَّجُلُ يَعْنِدُ عُنُودًا إِذَا أَبَى أَنْ يَقْبَلَ الشَّيْءَ وَإِنْ عَرَفَهُ، وقال أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَنِيدُ وَالْعَانِدُ وَالْعَنُودُ وَالْمُعَانِدُ: الْمُعَارِضُ لَكَ بِالْخِلَافِ.
[٦٠] ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ [هود: ٦٠] أَيْ أُرْدِفُوا لَعْنَةً تَلْحَقُهُمْ وَتَنْصَرِفُ مَعَهُمْ، وَاللَّعْنَةُ: هِيَ الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ عن الرحمة، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: ٦٠] أَيْ وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْضًا لُعِنُوا كَمَا لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ﴿أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ﴾ [هود: ٦٠] أَيْ بِرَبِّهِمْ، يُقَالُ كَفَرْتُهُ، وَكَفَرْتُ به كما يقال: شكره وَشَكَرْتُ لَهُ، وَنَصَحْتُهُ، وَنَصَحْتُ لَهُ. ﴿أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ [هُودٍ: ٦٠] قِيلَ بُعْدًا مِنْ رَحْمَةِ الله، وقيل: هلاكًا: مِنْهُ بَعُدَ يَبْعُدُ بُعْدًا، وَالْآخَرُ: بِمَعْنَى الْهَلَاكِ، يُقَالُ: مِنْهُ بَعِدَ يبعد بعدًا.
[٦١] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ [هود: ٦١] أي: وأرسلنا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ، ﴿قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [هود: ٦١] وَحِّدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ﴾ [هود: ٦١] ابتدأ