تَعَجُّبًا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ عَلَى كِبَرِ سِنِّهَا وَسِنِّ زَوْجِهَا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الْآيَةُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، تَقْدِيرُهُ: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، فَضَحِكَتْ، وَقَالَتْ: يا ويلتي أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ؟ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ﴾ [هود: ٧١] أَيْ: مِنْ بَعْدِ إِسْحَاقَ، ﴿يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] أراد به والدًا لولد فَبُشِّرَتْ أَنَّهَا تَعِيشُ حَتَّى تَرَى وَلَدَ وَلَدِهَا، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ يَعْقُوبَ بِنَصْبِ الْبَاءِ، أَيْ: مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، وَقِيلَ: بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ: وَوَهَبْنَا له يَعْقُوبَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الصِّفَةِ، وَقِيلَ: وَمِنْ بَعْدِ إِسْحَاقَ يَحْدُثُ يَعْقُوبُ، فَلَمَّا بُشِّرَتْ بِالْوَلَدِ ضَحِكَتْ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا، أي: ضربت وجهها تعجبًا.
[قوله تعالى قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا] بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ.....
[٧٢] ﴿قَالَتْ يا وَيْلَتَى﴾ [هود: ٧٢] نِدَاءُ نُدْبَةٍ وَهِيَ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْإِنْسَانُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، أَيْ: يَا عَجَبًا، وَالْأَصْلُ يَا وَيْلَتَاهُ. ﴿أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾ [هود: ٧٢] وَكَانَتِ ابْنَةَ تِسْعِينَ سَنَةً فِي قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تِسْعًا وَتِسْعِينَ سَنَةً. ﴿وَهَذَا بَعْلِي﴾ [هود: ٧٢] أي: زَوْجِي، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَيِّمُ أمرها، ﴿شَيْخًا﴾ [هود: ٧٢] نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَكَانَ سِنُّ إِبْرَاهِيمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِائَةُ سَنَةٍ، وَكَانَ بَيْنَ الْبِشَارَةِ وَالْوِلَادَةِ سَنَةٌ، ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [هود: ٧٢]
[٧٣] ﴿قَالُوا﴾ [هود: ٧٣] يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، ﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [هود: ٧٣] مَعْنَاهُ: لَا تَعْجَبِي مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذا أراد شيئًا كان. ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود: ٧٣] أَيْ: بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: هَذَا عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ مَعْنَى الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ وَالنِّعْمَةِ، وَالْبَرَكَاتُ جَمْعُ الْبَرَكَةِ، وَهِيَ ثُبُوتُ الْخَيْرِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَزْوَاجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. ﴿إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: ٧٣] فَالْحَمِيدُ: الْمَحْمُودُ فِي أَفْعَالِهِ، وَالْمَجِيدُ: الْكَرِيمُ، وَأَصْلُ الْمَجْدِ الرِّفْعَةُ.
[٧٤] ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ﴾ [هود: ٧٤] الخوف، ﴿وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى﴾ [هود: ٧٤] بِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، ﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤] فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: أَخَذَ وَظَلَّ يُجَادِلُنَا، قِيلَ: مَعْنَاهُ يُكَلِّمُنَا؛ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يُجَادِلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّمَا يَسْأَلُهُ وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ، وَقَالَ عَامَّةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: مَعْنَاهُ يُجَادِلُ رُسُلَنَا، وَكَانَتْ مُجَادَلَتُهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ فِي مَدَائِنِ لُوطٍ خَمْسُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَتُهْلِكُونَهُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَوْ أَرْبَعُونَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَوْ ثَلَاثُونَ؟ قَالُوا: لَا، حَتَّى بَلَغَ خَمْسَةً، قَالُوا: لَا، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُسْلِمٌ أَتُهْلِكُونَهَا؟ قالوا: لا، قال لهم إبراهيم عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ فِيهَا لُوطًا، قَالُوا، نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا، لَنُنْجِيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ من الغابرين، فذلك قول إخبار عن إبراهيم عليه السلام: ﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤]
[٧٥] ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: ٧٥] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَكَانَ فِي قُرَى قَوْمِ لُوطٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ فَقَالَتِ الرُّسُلُ عِنْدَ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ
[٧٦] ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ [هود: ٧٦] أَيْ: أَعْرِضْ عَنْ هَذَا الْمَقَالِ وَدَعْ عَنْكَ الْجِدَالَ، ﴿إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [هود: ٧٦] أَيْ: عَذَابُ رَبِّكَ وَحُكْمُ رَبِّكَ، ﴿وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ﴾ [هود: ٧٦] نَازِلٌ بِهِمْ، ﴿عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [هود: ٧٦] أَيْ غَيْرُ مَصْرُوفٍ عَنْهُمْ.
[٧٧] قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا﴾ [هود: ٧٧] يعني: هؤلاء الملائكة، ﴿لُوطًا﴾ [هود: ٧٧] عَلَى صُورَةِ غِلْمَانٍ مُرْدٍ حِسَانِ الوجوه، ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾ [هود: ٧٧] أَيْ: حَزِنَ لُوطٌ بِمَجِيئِهِمْ، يُقَالُ: سُؤْتُهُ فَسِيءَ، كَمَا يُقَالُ: سَرَرْتُهُ فسر. ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ [هود: ٧٧] أَيْ: قَلْبًا، يُقَالُ: ضَاقَ ذَرْعُ فُلَانٍ بِكَذَا إِذَا وَقَعَ فِي مَكْرُوهٍ لَا يُطِيقُ الْخُرُوجَ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ لُوطًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا نَظَرَ إِلَى حُسْنِ وُجُوهِهِمْ وَطَيِبِ رَوَائِحِهِمْ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهِ أَنْ يَقْصِدُوهُمْ بِالْفَاحِشَةِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ سَيَحْتَاجُ إِلَى الْمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ. ﴿وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] أَيْ:


الصفحة التالية
Icon