لما بالتشديد، و (ما) ههنا بِمَعْنَى مَنْ هُوَ اسْمٌ لِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ﴾ [النِّسَاءِ: ٣] أَيْ: مَنْ طَابَ لَكُمْ، وَالْمَعْنَى: وَإِنَّ كُلًّا لَمِنْ جَمَاعَةٍ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ: (مَا) صِلَةٌ زِيدَتْ بَيْنَ اللَّامَيْنِ لِيُفْصَلَ بَيْنَهُمَا كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِهِمَا، وَالْمَعْنَى: وَإِنَّ كُلًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، وَقِيلَ (مَا) بِمَعْنَى من، تقدير: لَمِنْ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، وَاللَّامُ فِي (لَمَّا) لَامُ التَّأْكِيدِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى خَبَرِ إِنَّ، وَفِي لَيُوَفِّيَنَّهُمْ لَامُ الْقَسَمِ، وَالْقَسَمُ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ وَاللَّهِ، ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [هود: ١١١] أَيْ: جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ، ﴿إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [هود: ١١١]
[١١٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [هود: ١١٢] أَيِ: اسْتَقِمْ عَلَى دِينِ رَبِّكَ وَالْعَمَلِ بِهِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ كَمَا أمرت، ﴿وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾ [هود: ١١٢] أي: من آمَنَ مَعَكَ فَلْيَسْتَقِيمُوا، قَالَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الِاسْتِقَامَةُ أَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلَا تَرُوغَ رَوَغَانَ الثَّعْلَبِ، وعن سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: «قُلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قَالَ: "قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ استقم» (١). ﴿وَلَا تَطْغَوْا﴾ [هود: ١١٢] لَا تُجَاوِزُوا أَمْرِي وَلَا تَعْصُونِي، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَلَا تَغْلُوا فَتَزِيدُوا عَلَى مَا أَمَرْتُ وَنَهَيْتُ. ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود: ١١٢] لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْءٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةٌ هِيَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: «شيبتني هود وأخواتها» (٢). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يسر ولن يشاد هذا الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدَّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» (٣).
[١١٣] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [هود: ١١٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَلَا تَمِيلُوا، وَالرُّكُونُ: هُوَ الْمَحَبَّةُ وَالْمَيْلُ بِالْقَلْبِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا تَرْضَوْا بِأَعْمَالِهِمْ، قَالَ السُّدِّيُّ: لَا تُدَاهِنُوا الظَّلَمَةَ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ: لَا تُطِيعُوهُمْ، وَقِيلَ: لَا تَسْكُنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا. ﴿فَتَمَسَّكُمُ﴾ [هود: ١١٣] فَتُصِيبَكُمُ، ﴿النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ [هود: ١١٣] أَيْ: أَعْوَانٍ يَمْنَعُونَكُمْ مِنْ عَذَابِهِ، ﴿ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود: ١١٣]
[١١٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ [هود: ١١٤] أي: الغداة والعشي، قَالَ مُجَاهِدٌ: طَرَفَا النَّهَارِ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالظَّهْرِ وَالْعَصْرِ. ﴿وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ١١٤] صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: صَلَاةُ الْفَجْرِ وَالظَّهْرِ طَرَفٌ، وَصَلَاةُ العصر
_________
(١) أخرجه مسلم في الإيمان رقم (٣٨) ١ / ٦٥ والمصنف في شرح السنة ١ / ٣١.
(٢) قال في كشف الخفاء ج ٢ / ٢٠ رواه ابن مردويه في تفسيره.
(٣) (٣) الدلجة: هو السير بالليل، والحديث أخرجه البخاري في الايمان ١ / ٩٣ والمصنف في شرح السنة ٤ / ٤٩، ٥٠.


الصفحة التالية
Icon