رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ يُوسُفَ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ البدر» (١).
﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ [يوسف: ٣١] أَعْظَمْنَهُ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هَالَهُنَّ أَمْرُهُ وَبُهِتْنَ. وَقِيلَ: أَكْبَرْنَهُ أَيْ: حِضْنَ لِأَجْلِهِ مِنْ جَمَالِهِ. وَلَا يصح. ﴿وَقَطَّعْنَ﴾ [يوسف: ٣١] أَيْ: حَزَّزْنَ بِالسَّكَاكِينِ الَّتِي مَعَهُنَّ، ﴿أَيْدِيَهُنَّ﴾ [يوسف: ٣١] وَهُنَّ يَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ يَقْطَعْنَ الْأُتْرُجَّ، وَلَمْ يَجِدْنَ الْأَلَمَ لِشُغْلِ قُلُوبِهِنَّ بِيُوسُفَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فَمَا أَحْسَسْنَ إلا بالدم. وقال قتادة: إنهن ابَنَّ أَيْدِيَهُنَّ حَتَّى أَلْقَيْنَهَا. وَالْأَصَحُّ كان قطعًا بلا إبانة، ﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا﴾ [يوسف: ٣١] أَيْ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هذا بشرًا، ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ [يوسف: ٣١] نَصْبٌ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ، أَيْ: ببشر، ﴿إِنْ هَذَا﴾ [يوسف: ٣١] أَيْ: مَا هَذَا، ﴿إِلَّا مَلَكٌ﴾ [يوسف: ٣١] من الملائكة، ﴿كَرِيمٌ﴾ [يوسف: ٣١] على الله.
[٣٢] ﴿قَالَتْ﴾ [يوسف: ٣٢] يَعْنِي رَاعِيلَ، ﴿فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ [يوسف: ٣٢] أَيْ: فِي حُبِّهِ، ثُمَّ صَرَّحَتْ بِمَا فَعَلَتْ، فَقَالَتْ: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ [يوسف: ٣٢] أي: امتنع، وَإِنَّمَا صَرَّحَتْ بِهِ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ أن لَا مَلَامَةَ عَلَيْهَا مِنْهُنَّ وَقَدْ أَصَابَهُنَّ مَا أَصَابَهَا مِنْ رُؤْيَتِهِ، فَقُلْنَ لَهُ: أَطِعْ مَوْلَاتَكَ. فَقَالَتْ رَاعِيلُ: ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ﴾ [يوسف: ٣٢] وَلَئِنْ لَمْ يُطَاوِعْنِي فِيمَا دَعَوْتُهُ إليه، ﴿لَيُسْجَنَنَّ﴾ [يوسف: ٣٢] أي: ليعاقبن بالحبس، ﴿وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [يوسف: ٣٢] مِنَ الْأَذِلَّاءِ. وَنُونُ التَّوْكِيدِ تُثَقَّلُ وَتُخَفَّفُ، وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿لَيُسْجَنَنَّ﴾ [يوسف: ٣٢] بِالنُّونِ لِأَنَّهَا مُشَدَّدَةٌ، وَعَلَى قَوْلِهِ (لِيَكُونَا) بِالْأَلْفِ لِأَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ نون الْإِعْرَابِ فِي الْأَسْمَاءِ، كَقَوْلِهِ: رَأَيْتُ رجلًا، وإذا وقفت: رَأَيْتُ رَجُلَا بِالْأَلْفِ، وَمِثْلُهُ: ﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾ [الْعَلَقِ: ١٥] فَاخْتَارَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ السِّجْنَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ حِينَ تَوَعَّدَتْهُ المرأة.
[٣٣] ﴿قَالَ رَبِّ﴾ [يوسف: ٣٣] أَيْ: يَا رَبِّ، ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ [يوسف: ٣٣] قِيلَ: كَانَ الدُّعَاءُ مِنْهَا خَاصَّةً، وَلَكِنَّهُ أَضَافَ إِلَيْهِنَّ خُرُوجًا مِنَ التَّصْرِيحِ إِلَى التَّعْرِيضِ. وَقِيلَ: إِنَّهُنَّ جميعًا دعونه إلى أنفسهن. قرأ يعقوب وحده: بفتح السين. وقرأ الآخرون بكسرها. واتفقوا على كسر السين في قوله: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ﴾ [يوسف: ٣٦] وَقِيلَ: لَوْ لَمْ يَقُلِ السِّجْنُ أحبُّ إليَّ لَمْ يُبْتَلَ بِالسِّجْنِ، وَالْأَوْلَى بِالْمَرْءِ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾ [يوسف: ٣٣] أَمِلْ إِلَيْهِنَّ وَأُتَابِعْهُنَّ، يُقَالُ: صَبَا فلان إلى كذا يصبوا صَبْوًا وَصُبُوًّا وَصُبُوَّةً إِذَا مَالَ وَاشْتَاقَ إِلَيْهِ. ﴿وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: ٣٣] فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا ارْتَكَبَ ذَنْبًا يَرْتَكِبُهُ عَنْ جهالة.
_________
(١) قال ابن حجر في الشافي الكافي ص٨٩: رواه الثعلبي وأخرجه الحاكم والبيهقي في الدلائل وابن مردويه، والمروي في صحيح مسلم في حديث الإسراء: "فإذا أنا بيوسف إذا هو أُعطي شطر الحسن ".


الصفحة التالية
Icon