غَيْبَتِهِ، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ [يوسف: ٥٢] (١).
[قوله تعالى وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ] بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ....
[٥٣] ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ [يوسف: ٥٣] مِنَ الْخَطَإِ وَالزَّلَلِ فَأُزَكِّيهَا، ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف: ٥٣] بِالْمَعْصِيَةِ ﴿إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ [يوسف: ٥٣] أَيْ: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبِّي فعصمه، و (مَا) بِمَعْنَى مِنْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ﴾ [النِّسَاءِ: ٣] أَيْ: مَنْ طَابَ لَكُمْ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَصَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يُرَكِّبْ فِيهِمُ الشَّهْوَةَ. وَقِيلَ: إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِشَارَةٌ إِلَى حَالَةِ الْعِصْمَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبُرْهَانِ. ﴿إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٣] فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِلْمَلِكِ عُذْرُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَرَفَ أَمَانَتَهُ وَعِلْمَهُ اشتاق لرؤيته وكلامه، وذلك معنى قوله تعالى إخبارًا عنه:
[٥٤] ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ [يوسف: ٥٤] أَيْ: أَجْعَلُهُ خَالِصًا لِنَفْسِي، ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ﴾ [يوسف: ٥٤] فِيهِ اخْتِصَارٌ تَقْدِيرُهُ: فَجَاءَ الرَّسُولُ يُوسُفَ فَقَالَ لَهُ: أَجِبِ الْمَلِكَ الآن، أعجب الْمَلِكُ مَا رَأَى مِنْهُ مَعَ حداثة سَنَةً فَأَجْلَسَهُ وَ ﴿قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ﴾ [يوسف: ٥٤] المكانة في الجاه، ﴿أَمِينٌ﴾ [يوسف: ٥٤] أي: صادق.
[٥٥] فـ ﴿قَالَ﴾ [يوسف: ٥٥] يُوسُفُ، ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾ [يوسف: ٥٥] الْخَزَائِنُ جَمْعُ خِزَانَةٍ وَأَرَادَ خَزَائِنَ الطَّعَامِ وَالْأَمْوَالِ، وَالْأَرْضُ أَرْضُ مِصْرَ، أي: خزائن أرضك. عَلَى خَرَاجِ مِصْرَ وَدَخْلِهِ، ﴿إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥] أَيْ: حَفِيظٌ لِلْخَزَائِنِ عَلِيمٌ بِوُجُوهِ مصالحها. وقيل: حفيظ عليم، أي: كَاتِبٌ حَاسِبٌ. وَقِيلَ: حَفِيظٌ لِمَا اسْتَوْدَعْتَنِي عَلِيمٌ بِمَا وَلَّيْتَنِي. وَقِيلَ: حَفِيظٌ لِلْحِسَابِ عَلِيمٌ بِالْأَلْسُنِ أَعْلَمُ لغة مَنْ يَأْتِينِي. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: حَفِيظٌ بتقديره في السنين المجدبة عَلِيمٌ بِوَقْتِ الْجُوعِ حِينَ يَقَعُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَمَنْ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ؟! فَوَلَّاهُ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ، ذُو مَكَانَةٍ وَمَنْزِلَةٍ، أَمِينٌ عَلَى الخزائن.
[٥٦] ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ [يوسف: ٥٦] يَعْنِي: أَرْضَ مِصْرَ مَلَّكْنَاهُ، ﴿يَتَبَوَّأُ﴾ [يوسف: ٥٦] أي: ينزل، ﴿مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ﴾ [يوسف: ٥٦] وَيَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ. قَرَأَ ابن كثير وحده: (نَشَاءُ) بِالنُّونِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: (مَكَّنَّا) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ (يَتَبَوَّأُ). ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا﴾ [يوسف: ٥٦] أي: بنعمتنا، ﴿مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٥٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَوَهْبٌ: يَعْنِي الصَّابِرِينَ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: فَلَمْ يَزَلْ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُو الملك إلى الإسلام ويتلطف به حَتَّى أَسْلَمَ الْمَلِكُ وَكَثِيرٌ مِنَ الناس، فهذا في أمر الدنيا.
[٥٧] ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ﴾ [يوسف: ٥٧] ثَوَابُ الْآخِرَةِ، ﴿خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يوسف: ٥٧] فلما اطمأن يوسف في
_________
(١) وذكر بعضهم أن الأليق والأنسب بسياق القصة أن ذلك من قول امرأة العزيز تقول: إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب ولا وقع المحذور وإنما راودته فامتنع، فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة - انظر ابن كثير ٢ / ٤٨٢ ودقائق التفسير ٢ / ٢٧٣ وتفسير المنار ١٢ / ٣١٣.


الصفحة التالية
Icon