أبواب القصور.
[٢٤] ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الرعد: ٢٤] أَيْ: يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ: يَقُولُونَ سَلَّمَكُمُ اللَّهُ مِنَ الْآفَاتِ التي تَخَافُونَ مِنْهَا. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ثَلَاثَ كَرَّاتٍ مَعَهُمُ الْهَدَايَا وَالتُّحَفُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴿بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: ٢٤]
[٢٥] ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ [الرعد: ٢٥] هَذَا فِي الْكُفَّارِ. ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [الرعد: ٢٥] أَيْ: يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَيَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ. وَقِيلَ: يَقْطَعُونَ الرَّحِمَ، ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الرعد: ٢٥] أَيْ: يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي، ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [الرعد: ٢٥] يَعْنِي: النَّارَ، وَقِيلَ: سُوءُ الْمُنْقَلَبِ لأن منقلب الناس دورهم.
[٢٦] قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الرَّعْدِ: ٢٦] أَيْ: يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، ﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الرعد: ٢٦] يَعْنِي: مُشْرِكِي مَكَّةَ أَشِرُوا وَبَطِرُوا، وَالْفَرَحُ لَذَّةٌ فِي الْقَلْبِ بِنَيْلِ المشتهى، ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾ [الرعد: ٢٦] أَيْ: قَلِيلٌ ذَاهِبٌ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: كمثل القصعة وَالْقَدَحِ وَالْقِدْرِ يُنْتَفَعُ بِهَا ثُمَّ تذهب.
[٢٧] ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الرعد: ٢٧] مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ [الرعد: ٢٧] أَيْ: يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ بِالْإِنَابَةِ. وَقِيلَ: يُرْشِدُ إِلَى دِينِهِ مَنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ بِقَلْبِهِ.
[٢٨] ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الرعد: ٢٨] فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ قوله: ﴿مَنْ أَنَابَ﴾ [الرعد: ٢٧] ﴿وَتَطْمَئِنُّ﴾ [الرعد: ٢٨] تسكن، ﴿قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ٢٨] قَالَ مُقَاتِلٌ: بِالْقُرْآنِ، وَالسُّكُونُ يَكُونُ بِالْيَقِينِ، وَالِاضْطِرَابُ يَكُونُ بِالشَّكِّ، ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرَّعْدِ: ٢٨] تَسْكُنُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَيَسْتَقِرُّ فِيهَا الْيَقِينُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الْحَلِفِ، يَقُولُ: إِذَا حَلَفَ الْمُسْلِمُ بِاللَّهِ عَلَى شَيْءٍ تَسْكُنُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الْأَنْفَالِ: ٢] فَكَيْفَ تَكُونُ الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَجَلُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؟ قِيلَ: الْوَجَلُ عِنْدَ ذِكْرِ الْوَعِيدِ وَالْعِقَابِ وَالطُّمَأْنِينَةُ عِنْدَ ذِكْرِ الْوَعْدِ وَالثَّوَابِ، فَالْقُلُوبُ تَوْجَلُ إِذَا ذكرت وعيد اللَّهِ وَشِدَّةَ حِسَابِهِ، وَتَطْمَئِنُّ إِذَا ذكرت فضل الله وكرمه.
[قوله تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ] وَحُسْنُ مَآبٍ....
[٢٩] ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الرعد: ٢٩] ابتداء، وقوله: ﴿طُوبَى لَهُمْ﴾ [الرعد: ٢٩] خَبَرُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ ﴿طُوبَى﴾ [الرعد: ٢٩] رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَرَحٌ لَهُمْ وَقُرَّةُ عَيْنٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نِعْمَ مَالَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: حُسْنَى لَهُمْ. وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: هَذِهِ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ طُوبَى لَكَ أَيْ أَصَبْتَ خَيْرًا. وَقَالَ إبراهيم: خير لهم وكرامة. قال الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ مِنَ الطَّيِّبِ وَالْوَاوُ فِيهِ لِضَمَّةِ الطَّاءِ وَفِيهِ لُغَتَانِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: طُوبَاكَ وَطُوبَى لَكَ أَيْ لَهُمُ الطَّيِّبُ. ﴿وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ [الرعد: ٢٩] أي: حسن المنقلب. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: طُوبَى اسْمُ الْجَنَّةِ بالحبشية. وقال الرَّبِيعُ: هُوَ الْبُسْتَانُ بِلُغَةِ الْهِنْدِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي هريرة وأبي الدرداء قال: طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ تُظِلُّ الجنان كلها (١).
[٣٠] قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ﴾ [الرعد: ٣٠] أي: كَمَا أَرْسَلَنَا الْأَنْبِيَاءَ إِلَى الْأُمَمِ أَرْسَلْنَاكَ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ [الرعد: ٣٠] مَضَتْ، ﴿مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ﴾ [الرعد: ٣٠] لِتَقْرَأَ، ﴿عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ [الرعد: ٣٠] قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ: الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ نَزَلَتْ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو لَمَّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابَ الصُّلْحِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - لعلي: «اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، قَالُوا: لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إِلَّا صاحب اليمامة، يعنون مسيلمة
_________
(١) انظر صحيح البخاري (٦٥٥٢، ٦٥٥٣) كتاب الرقاق، ومسلم (٢٨٢٦-٢٨٢٨) كتاب صفة الجنة.


الصفحة التالية
Icon