[٢٨] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا﴾ [إبراهيم: ٢٨] عن ابن عباس: هم كفار قريش. وقال عمر: هُمْ قُرَيْشٌ، وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِعْمَةُ اللَّهِ ﴿وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ [إبراهيم: ٢٨] قَالَ: الْبَوَارُ يَوْمُ بَدْرٍ، قَوْلُهُ: ﴿بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٢٨] أَيْ: غَيَّرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - حيث ابتعثه الله مِنْهُمْ كُفْرًا كَفَرُوا بِهِ فَأَحَلُّوا أَيْ أَنْزَلُوا قَوْمَهُمْ مِمَّنْ تَابَعَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ دَارَ الْبَوَارِ الْهَلَاكِ، ثم بين دار البوار فقال:
[٢٩] ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا﴾ [إبراهيم: ٢٩] يدخلونها ﴿وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ [إبراهيم: ٢٩] المستقر.
[٣٠] ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ [إبراهيم: ٣٠] أَمْثَالًا وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى نِدٌّ، ﴿لِيُضِلُّوا﴾ [إبراهيم: ٣٠] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَسُورَةِ لُقْمَانَ وَالزُّمَرِ (لِيَضِلَّ) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى مَعْنَى: لِيُضِلُّوا النَّاسَ، ﴿عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا﴾ [إبراهيم: ٣٠] عِيشُوا فِي الدُّنْيَا، ﴿فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾ [إبراهيم: ٣٠]
[٣١] ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [إبراهيم: ٣١] قال الفراء: هذا جَزْمٌ عَلَى الْجَزَاءِ، ﴿وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ﴾ [إبراهيم: ٣١] مخاللة وصداقة.
[٣٢] ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾ [إبراهيم: ٣٢] بإذنه. ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ﴾ [إبراهيم: ٣٢] ذَلَّلَهَا لَكُمْ تُجْرُونَهَا حَيْثُ شِئْتُمْ.
[٣٣] ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ﴾ [إبراهيم: ٣٣] يَجْرِيَانِ فِيمَا يَعُودُ إِلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَلَا يَفْتُرَانِ، قَالَ ابْنُ عباس: دؤوبهما فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إبراهيم: ٣٣] يَتَعَاقَبَانِ فِي الضِّيَاءِ وَالظُّلْمَةِ وَالنُّقْصَانِ والزيادة.
[قوله تعالى وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا] نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا.....
[٣٤] ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ [إبراهيم: ٣٤] يعني: آتاكم مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَأَلْتُمُوهُ شَيْئًا، فَحَذَفَ الشَّيْءَ الثَّانِيَ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الكلام على التبغيض، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى التَّكْثِيرِ نَحْوُ قَوْلِكَ: فُلَانٌ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، وآتاه كل الناس، وأنت تريد بَعْضَهُمْ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٤٤] وَقَرَأَ الْحَسَنُ مِنْ كُلٍّ بِالتَّنْوِينِ مَا عَلَى النَّفْيِ يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَسْأَلُوهُ، يَعْنِي: أَعْطَاكُمْ أَشْيَاءَ مَا طَلَبْتُمُوهَا وَلَا سألتموها، ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٣٤] أَيْ: نِعَمَ اللَّهِ، ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: ٣٤] أَيْ: لَا تُطِيقُوا عَدَّهَا وَلَا الْقِيَامَ بِشُكْرِهَا، ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤] أَيْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ بِالْمَعْصِيَةِ كَافِرٌ بربه فِي نِعْمَتِهِ وَقِيلَ: الظَّلُومُ الَّذِي يَشْكُرُ غَيْرَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ والكافر من يجحد منعمه.
[٣٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ﴾ [إبراهيم: ٣٥] يعني: الحرم، ﴿آمِنًا﴾ [إبراهيم: ٣٥] ذَا أَمْنٍ يُؤَمَّنُ فِيهِ، ﴿وَاجْنُبْنِي﴾ [إبراهيم: ٣٥] أَبْعِدْنِي، ﴿وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥] يقال: جنبت الشَّيْءَ وَأَجْنَبْتُهُ جَنْبًا وَجَنَّبْتُهُ تَجْنِيبًا وَاجْتَنَبْتُهُ اجْتِنَابًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَإِنْ قيل: قد كان إبراهيم معصوما من عبادة بنيه الْأَصْنَامِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ السُّؤَالُ وَقَدْ عَبَدَ كَثِيرٌ مِنْ بَنِيهِ الْأَصْنَامَ فَأَيْنَ الْإِجَابَةُ؟ قِيلَ: الدُّعَاءُ فِي حق إبراهيم لِزِيَادَةِ الْعِصْمَةِ وَالتَّثْبِيتِ وَأَمَّا دُعَاؤُهُ لِبَنِيهِ فَأَرَادَ بَنِيهِ مِنْ صُلْبِهِ وَلَمْ يَعْبُدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ الصَّنَمَ. وَقِيلَ: إِنَّ دُعَاءَهُ لِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مِنْ بَنِيهِ.
[٣٦] ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٦] يَعْنِي: ضَلَّ بِهِنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى حَتَّى عبدوهن، وهذا من الْمَقْلُوبُ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٧٥] أَيْ: يُخَوِّفُهُمْ بِأَوْلِيَائِهِ، وَقِيلَ: نَسَبَ الْإِضْلَالَ إِلَى الْأَصْنَامِ لِأَنَّهُنَّ سَبَبٌ فِيهِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: فَتَنَتْنِي الدُّنْيَا، نَسَبَ الْفِتْنَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِأَنَّهَا سَبَبُ الْفِتْنَةِ. ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ [إبراهيم: ٣٦] أي: من أهل ديني وملتي، ﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦] قَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ: " وَمَنْ عَصَانِي ثُمَّ تَابَ " وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: وَمَنْ عَصَانِي فِيمَا دُونَ الشِّرْكِ. وَقِيلَ: قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ


الصفحة التالية
Icon