الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وَفَتْحِهَا وَفَتْحِ الزَّايِ الْمَلَائِكَةُ رفع. ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الحجر: ٨] أَيْ: بِالْعَذَابِ وَلَوْ نَزَلَتْ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ لَعَجَّلُوا بِالْعَذَابِ، ﴿وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾ [الحجر: ٨] أَيْ: مُؤَخَّرِينَ، وَقَدْ كَانَ الْكُفَّارُ يَطْلُبُونَ إِنْزَالَ الْمَلَائِكَةِ عِيَانًا فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا. وَمَعْنَاهُ إِنَّهُمْ لَوْ نَزَلُوا أَعْيَانًا لَزَالَ عَنِ الْكُفَّارِ الْإِمْهَالُ وَعُذِّبُوا فِي الْحَالِ.
[٩] ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ [الحجر: ٩] يَعْنِي الْقُرْآنَ، ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] أَيْ: نَحْفَظُ الْقُرْآنَ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَنْ يَزِيدُوا فِيهِ أَوْ يَنْقُصُوا منه أو يبدلوا بغيره، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٢] وَالْبَاطِلُ: هُوَ إِبْلِيسُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ. وَقِيلَ: الْهَاءُ فِي (لَهُ) رَاجِعَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ: إِنَّا لِمُحَمَّدٍ لَحَافِظُونَ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧]
[١٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ﴾ [الحجر: ١٠] أَيْ رُسُلًا، ﴿فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ﴾ [الحجر: ١٠] أَيْ: فِي الْأُمَمِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، والشيعة: هم القوم المجتمعة المتفقة كلمتهم على رأي واحد.
[١١] ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الحجر: ١١] كَمَا فَعَلُوا بِكَ، ذَكَرَهُ تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[١٢] ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ﴾ [الحجر: ١٢] أَيْ: كَمَا سَلَكْنَا الْكُفْرَ وَالتَّكْذِيبَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِالرُّسُلِ فِي قُلُوبِ شِيَعِ الْأَوَّلِينَ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ: نُدْخِلُهُ، ﴿فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الحجر: ١٢] يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ قَوْمَكَ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ (١).
[١٣] ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [الحجر: ١٣] يَعْنِي: لَا يُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالْقُرْآنِ، ﴿وَقَدْ خَلَتْ﴾ [الحجر: ١٣] مضت، ﴿سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الحجر: ١٣] أي: وقائع الله تعالى الإهلاك فِيمَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ يُخَوِّفُ أَهْلَ مَكَّةَ.
[١٤] ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ﴾ [الحجر: ١٤] يَعْنِي: عَلَى الَّذِينَ يَقُولُونَ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ، ﴿بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ [الحجر: ١٤] فظلت الملائكة يعرجون فيه وَهُمْ يَرَوْنَهَا عِيَانًا، هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ فَظَلَّ هؤلاء الكفار يعرجون فيه أَيْ: يَصْعَدُونَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
[١٥] ﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ﴾ [الحجر: ١٥] سدت، ﴿أَبْصَارُنَا﴾ [الحجر: ١٥] قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: سُحِرَتْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أُخِذَتْ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَمِيَتْ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ سُكِرَتْ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: حُبِسَتْ وَمُنِعَتِ النَّظَرَ كَمَا يُسْكَرُ النَّهْرُ لِحَبْسِ الْمَاءِ، ﴿بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ [الحجر: ١٥] أَيْ: عُمِلَ فِينَا السِّحْرُ فَسَحَرَنَا محمد.
[قوله تعالى وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا] لِلنَّاظِرِينَ.....
[١٦] قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ [الحجر: ١٦] وَالْبُرُوجُ هِيَ النُّجُومُ الْكِبَارُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الظُّهُورِ، يُقَالُ: تَبَرَّجَتِ الْمَرْأَةُ أَيْ: ظَهَرَتْ، وَأَرَادَ بِهَا الْمَنَازِلَ الَّتِي تَنْزِلُهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ السَّيَّارَةُ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ بُرْجًا: الْحَمَلُ وَالثَّوْرُ وَالْجَوْزَاءُ وَالسَّرَطَانُ وَالْأَسَدُ وَالسُّنْبُلَةُ وَالْمِيزَانُ وَالْعَقْرَبُ وَالْقَوْسُ وَالْجَدْيُ وَالدَّلْوُ وَالْحُوتُ. وَقَالَ عَطِيَّةُ: هِيَ قُصُورٌ فِي السَّمَاءِ عَلَيْهَا الْحَرَسُ ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ [الحجر: ١٦] أَيِ السَّمَاءَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ. ﴿لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الحجر: ١٦]
[١٧] ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ [الحجر: ١٧] مَرْجُومٍ. وَقِيلَ: مَلْعُونٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الشَّيَاطِينُ لَا يُحْجَبُونَ عَنِ السَّمَاوَاتِ وَكَانُوا يَدْخَلُونَهَا، وَيَأْتُونَ بأخبارها فيلقون على الكهنة ما سمعوا، فَلَمَّا وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ منعوا من ثلاث سماوات، فَلَمَّا وُلِدَ مُحَمَّدٌ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنِعُوا مِنَ السَّمَاوَاتِ أَجْمَعَ، فَمَا مِنْهُمْ مَنْ أَحَدٍ يُرِيدُ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ إِلَّا رُمِيَ بِشِهَابٍ، فَلَمَّا مُنِعُوا مِنْ تِلْكَ الْمَقَاعِدِ ذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ، فَقَالَ: لقد حدث في
_________
(١) القدرية هم الذين ينكرون القدر ويزعمون أن كل عبد خالق لفعله ليخرجوا بذلك فعل الإنسان عن قدرة الله. انظر الوصية الكبرى لابن تيمية ص ٥٧ تعليق (٥).


الصفحة التالية
Icon