واحد والشمائل جمع يَرْجِعُ إِلَى الْمَعْنَى. ﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ [النحل: ٤٨] صَاغِرُونَ.
[٤٩] ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [النحل: ٤٩] إِنَّمَا أَخْبَرَ بِـ (مَا) لِغَلَبَةِ مَا لَا يَعْقِلُ عَلَى مَنْ يَعْقِلُ فِي الْعَدَدِ، وَالْحُكْمُ لِلْأَغْلَبِ كَتَغْلِيبِ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ، ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾ [النحل: ٤٩] أَرَادَ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ. وَيُقَالُ: السُّجُودُ الطَّاعَةُ وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مُطِيعَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَيَوَانٍ وَجَمَادٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فُصِّلَتْ: ١١] وَقِيلَ: سُجُودُ الْأَشْيَاءِ تَذَلُّلُهَا وَتَسَخُّرُهَا لِمَا أُرِيدَتْ لَهُ وَسُخِّرَتْ لَهُ. وَقِيلَ: سُجُودُ الْجَمَادَاتِ وَمَا لَا يَعْقِلُ ظُهُورُ أَثَرِ الصُّنْعِ فِيهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَدْعُو الْغَافِلِينَ إِلَى السُّجُودِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ فِيهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ﴾ [فصلت: ٥٣] ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾ [النحل: ٤٩] خَصَّ الْمَلَائِكَةَ بِالذِّكْرِ مَعَ كَوْنِهِمْ من جملة ما في السماوات وَالْأَرْضِ تَشْرِيفًا وَرَفْعًا لِشَأْنِهِمْ. وَقِيلَ: لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الْمَوْصُوفِينَ بِالدَّبِيبِ إِذْ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ بِهَا. وَقِيلَ: أَرَادَ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ، وَتَسْجُدُ الْمَلَائِكَةُ. ﴿وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٤٩]
[٥٠] ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٥٠] كَقَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٨] ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: ٥٠]
[٥١] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [النحل: ٥١]
[٥٢] ﴿وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ﴾ [النحل: ٥٢] الطاعة والإخلاص ﴿وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] دَائِمًا ثَابِتًا، مَعْنَاهُ: لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يُدَانُ لَهُ وَيُطَاعُ إِلَّا انْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُ بِزَوَالٍ أَوْ هَلَاكٍ غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ الطَّاعَةَ تَدُومُ لَهُ وَلَا تنقطع. ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾ [النحل: ٥٢] أَيْ: تَخَافُونَ، اسْتِفْهَامٌ عَلَى طَرِيقِ الإنكار.
[٥٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: ٥٣] أي: وما يكن مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ [النحل: ٥٣] القحط والمرض، ﴿فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: ٥٣] تَضِجُّونَ وَتَصِيحُونَ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغَاثَةِ.
[٥٤] ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ٥٤]
[قوله تعالى لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ] تَعْلَمُونَ....
[٥٥] ﴿لِيَكْفُرُوا﴾ [النحل: ٥٥] ليجحدوا، ﴿بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [النحل: ٥٥] وَهَذِهِ اللَّامُ تُسَمَّى لَامَ الْعَاقِبَةِ، أَيْ: حَاصِلُ أَمْرِهِمْ هُوَ كُفْرُهُمْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ أَعْطَيْنَاهُمْ مِنَ النَّعْمَاءِ وكشف الضراء والبلاء، ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ [النحل: ٥٥] أَيْ: عِيشُوا فِي الدُّنْيَا الْمُدَّةَ الَّتِي ضَرَبْتُهَا لَكُمْ، ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٥٥] عَاقِبَةَ أَمْرِكُمْ، هَذَا وَعِيدٌ لَهُمْ.
[٥٦] ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٥٦] لَهُ حَقًّا أَيِ: الْأَصْنَامِ، ﴿نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ [النحل: ٥٦] مِنَ الْأَمْوَالِ وَهُوَ مَا جَعَلُوا لِلْأَوْثَانِ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، فَقَالُوا: هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا، ثُمَّ رَجَعَ مِنَ الْخَبَرِ إِلَى الخطاب فقال: ﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ﴾ [النحل: ٥٦] يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ [النحل: ٥٦] فِي الدُّنْيَا.
[٥٧] ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ﴾ [النحل: ٥٧] وَهُمْ خُزَاعَةُ وَكِنَانَةُ، قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: ٥٧] أَيْ: وَيَجْعَلُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الْبَنِينَ الَّذِينَ يشتهونهم فيكون (مَا) فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، وَيَجُوزُ أن يكون على الابتداء فيكون (مَا) فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ.
[٥٨] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ [النحل: ٥٨] مُتَغَيِّرًا مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرَاهِيَةِ، ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] وَهُوَ مُمْتَلِئٌ حُزْنًا وَغَيْظًا فَهُوَ يَكْظِمُهُ، أَيْ: يُمْسِكُهُ وَلَا يُظْهِرُهُ.
[٥٩] ﴿يَتَوَارَى﴾ [النحل: ٥٩] أَيْ: يَخْتَفِي، ﴿مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ﴾ [النحل: ٥٩] مِنَ الْحُزْنِ وَالْعَارِ ثُمَّ يَتَفَكَّرُ ﴿أَيُمْسِكُهُ﴾ [النحل: ٥٩] ذَكَرَ الْكِنَايَةَ رَدًّا عَلَى (مَا) ﴿عَلَى هُونٍ﴾ [النحل: ٥٩] أَيْ: هَوَانٌ، ﴿أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ [النحل: ٥٩] أي: يخفيه فَيَئِدُهُ، وَذَلِكَ أَنْ مُضَرَ وَخُزَاعَةَ وَتَمِيمًا كَانُوا يَدْفِنُونَ الْبَنَاتِ أَحْيَاءً خَوْفًا مِنَ الْفَقْرِ عَلَيْهِمْ وَطَمَعِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ فِيهِنَّ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْعَرَبِ إِذَا وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْيِيَهَا أَلْبَسَهَا جُبَّةً مِنْ صُوفٍ أَوْ


الصفحة التالية
Icon