قَبُحَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. وَقَالَ ابن عباس: الزنا، ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾ [النحل: ٩٠] مَا لَا يُعْرَفُ فِي شَرِيعَةٍ ولا سنة، ﴿وَالْبَغْيِ﴾ [النحل: ٩٠] الْكِبْرُ وَالظُّلْمُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: العدل استواء السر والعلانية، والإحسان: أن يكون سريرته أحسن من علانيته، والفحشاء وَالْمُنْكَرُ أَنْ تَكُونَ عَلَانِيَتُهُ أَحْسَنَ مِنْ سَرِيرَتِهِ، ﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٩٠] لعلكم تَتَّعِظُونَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَجْمَعُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ: إِنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عَلَى الْوَلِيدِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي أعد فعاد عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ لَهُ وَاللَّهِ لَحَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ، وما هو بقول البشر.
[٩١] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾ [النحل: ٩١] وَالْعَهْدُ هَاهُنَا هُوَ الْيَمِينُ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: الْعَهْدُ يَمِينٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ اليمين، ﴿وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النحل: ٩١] تَشْدِيدِهَا فَتَحْنَثُوا فِيهَا، ﴿وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا﴾ [النحل: ٩١] شَهِيدًا بِالْوَفَاءِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: ٩١] وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا عَامًّا، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي حِلْفِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِنَقْضِ الْعَهْدِ.
[٩٢] فَقَالَ: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ﴾ [النحل: ٩٢] أَيْ: مِنْ بَعْدِ غَزْلِهِ وَإِحْكَامِهِ معناه: أَنَّهَا لَمْ تَكُفَّ عَنِ الْعَمَلِ وَلَا حِينَ عَمِلَتْ كَفَّتْ عَنِ النقض، فكذلك أنتم إذا أنقضتم الْعَهْدَ، لَا كَفَفْتُمْ عَنِ الْعَهْدِ وَلَا حِينَ عَاهَدْتُمْ وَفَيْتُمْ بِهِ، ﴿أَنْكَاثًا﴾ [النحل: ٩٢] يَعْنِي أَنْقَاضًا وَاحِدَتُهَا نَكْثٌ وَهُوَ مَا نُقِضَ بَعْدَ الْفَتْلِ غَزْلًا كَانَ أَوْ حَبْلًا. ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ﴾ [النحل: ٩٢] أي: دخلا وخيانة وخديعة والدخل: ما يدخل في شيء للفساد، وقيل: الدخل والدغل أَنْ يُظْهِرَ الْوَفَاءَ وَيُبْطِنَ النَّقْضَ. ﴿أَنْ تَكُونَ﴾ [النحل: ٩٢] أَيْ: لِأَنْ تَكُونَ، ﴿أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى﴾ [النحل: ٩٢] أَيْ: أَكْثَرُ وَأَعْلَى، ﴿مِنْ أُمَّةٍ﴾ [النحل: ٩٢] قَالَ مُجَاهِدٌ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَالِفُونَ الْحُلَفَاءَ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَعَزَّ نَقَضُوا حِلْفَ هَؤُلَاءِ وَحَالَفُوا الْأَكْثَرَ، فَمَعْنَاهُ: طَلَبْتُمُ الْعِزَّ بِنَقْضِ الْعَهْدِ بِأَنْ كَانَتْ أُمَّةٌ أَكْثَرَ مِنْ أُمَّةٍ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. ﴿إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ﴾ [النحل: ٩٢] يَخْتَبِرُكُمُ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، ﴿وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [النحل: ٩٢] فِي الدُّنْيَا.
[٩٣] ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [النحل: ٩٣] عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْإِسْلَامُ، ﴿وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ [النحل: ٩٣] بِخِذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ عَدْلًا مِنْهُ، ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النحل: ٩٣] بِتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُمْ فَضْلًا مِنْهُ، ﴿وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٣] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
[وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ] بَعْدَ ثُبُوتِهَا....
[٩٤] ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا﴾ [النحل: ٩٤] خديعة وفسادا، ﴿بَيْنَكُمْ﴾ [النحل: ٩٤] فَتَغُرُّونَ بِهَا النَّاسَ فَيَسْكُنُونَ إِلَى أَيْمَانِكُمْ وَيَأْمَنُونَ ثُمَّ تَنْقُضُونَهَا، ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ [النحل: ٩٤] فتهلكوا بعد ما كُنْتُمْ آمِنِينَ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مُبْتَلًى بَعْدَ عَافِيَةٍ أَوْ سَاقِطٍ فِي وَرْطَةٍ بَعْدَ سَلَامَةٍ زَلَّتْ قَدَمُهُ، ﴿وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النحل: ٩٤] قِيلَ: مَعْنَاهُ سَهَّلْتُمْ طَرِيقَ نَقْضِ الْعَهْدِ عَلَى النَّاسِ بِنَقْضِكُمُ الْعَهْدَ، ﴿وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل: ٩٤]
[٩٥] ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [النحل: ٩٥] يَعْنِي لَا تَنْقُضُوا عُهُودَكُمْ تَطْلُبُونَ بِنَقْضِهَا عَرَضًا قَلِيلًا مِنَ الدُّنْيَا، وَلَكِنْ أَوْفَوْا بِهَا. ﴿إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ﴾ [النحل: ٩٥] مِنَ الثَّوَابِ لَكُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بالعهد، ﴿خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٩٥] فَضْلُ مَا بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ.
[٩٦] فَقَالَ: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ﴾ [النحل: ٩٦] أَيِ: الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا يَفْنَى، ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ﴾ [النحل: ٩٦] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ بِالنُّونِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [النحل: ٩٦] عَلَى الْوَفَاءِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، ﴿أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٦]
[٩٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: ٩٧]


الصفحة التالية
Icon