أَكْثَرْنَا، يُقَالُ: أَمَّرَهُمُ اللَّهُ أَيْ كثرهم الله وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ قِرَاءَةَ الْعَامَّةِ وَقَالَ: لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ تَجْتَمِعُ فِيهَا يَعْنِي الْأَمْرَ وَالْإِمَارَةَ وَالْكَثْرَةَ. (مُتْرَفِيهَا) مُنَعَّمِيهَا وَأَغْنِيَاءَهَا ﴿فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ﴾ [الإسراء: ١٦] وَجَبَ عَلَيْهَا الْعَذَابُ، ﴿فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء: ١٦] أَيْ: خَرَّبْنَاهَا وَأَهْلَكْنَا مَنْ فِيهَا.
[١٧] قَوْلُهُ: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ﴾ [الإسراء: ١٧] أَيِ: الْمُكَذِّبَةِ، ﴿مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ١٧] يُخَوِّفُ كُفَّارَ مَكَّةَ، ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ [الإسراء: ١٧] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَوْفَى. الْقَرْنُ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ قَرْنٍ، وَكَانَ فِي آخِرِهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. وَقِيلَ: مِائَةُ سَنَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عبد الله بن بشر الْمَازِنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: «سَيَعِيشُ هَذَا الْغُلَامُ قَرْنًا» (١) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ فَمَا زِلْنَا نَعُدُّ لَهُ حَتَّى تَمَّ لَهُ مِائَةُ سَنَةٍ، ثم مات. قال الكلبي: القرن: ثَمَانُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً.
[قَوْلُهُ تَعَالَى مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا] مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ.....
[١٨] ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾ [الإسراء: ١٨] يَعْنِي الدُّنْيَا أَيِ الدَّارَ الْعَاجِلَةَ، ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ﴾ [الإسراء: ١٨] مِنَ الْبَسْطِ وَالتَّقْتِيرِ، ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾ [الإسراء: ١٨] أَنْ نَفْعَلَ بِهِ ذَلِكَ أَوْ إهلاكه، ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ﴾ [الإسراء: ١٨] في الآخرة، ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا﴾ [الإسراء: ١٨] يدخل نارها، ﴿مَذْمُومًا مَدْحُورًا﴾ [الإسراء: ١٨] مَطْرُودًا مُبْعَدًا.
[١٩] ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ [الإسراء: ١٩] عَمِلَ عَمَلَهَا، ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء: ١٩] مَقْبُولًا.
[٢٠] ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ﴾ [الإسراء: ٢٠] أَيْ: نُمِدُّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، ﴿مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ﴾ [الإسراء: ٢٠] أي: يرزقهما جميعا ثم يخلف بِهِمَا الْحَالُ فِي الْمَآلِ، ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ﴾ [الإسراء: ٢٠] رزق ربك، ﴿مَحْظُورًا﴾ [الإسراء: ٢٠] مَمْنُوعًا عَنْ عِبَادِهِ فَالْمُرَادُ مِنَ الْعَطَاءِ الْعَطَاءُ فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا فَلَا حَظَّ لِلْكُفَّارِ فِي الْآخِرَةِ.
[٢١] ﴿انْظُرْ﴾ [الإسراء: ٢١] يَا مُحَمَّدُ، ﴿كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: ٢١] فِي الرِّزْقِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، يَعْنِي: طَالِبَ الْعَاجِلَةِ وَطَالِبَ الْآخِرَةِ، ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: ٢١]
[٢٢] ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الإسراء: ٢٢] الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَجْعَلْ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ [الإسراء: ٢٢] مَذْمُومًا مِنْ غَيْرِ حَمْدٍ مَخْذُولًا مِنْ غَيْرِ نَصْرٍ.
[٢٣] قَوْلُهُ عَزَّ وجل: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ﴾ [الإسراء: ٢٣] وأمر ربك، قال ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: وَأَوْجَبَ رَبُّكَ. قال مجاهد: وأوصى رَبُّكَ، ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: ٢٣] أَيْ: وَأَمَرَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا بِرًّا بهما وعطفا عليهما،
_________
(١) أخرجه ابن جرير ١٥ / ٥٨ وذكره البخاري في التاريخ الصغير ص (٣٩) وأخرجه أبو نعيم كما في التهذيب ٥ / ١٣٩.