الرَّقِيمُ بِمَعْنَى الْمَرْقُومِ، أَيِ: الْمَكْتُوبِ، وَالرَّقْمُ: الْكِتَابَةُ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عباس أنه قال: هو اسْمٌ لِلْوَادِي الَّذِي فِيهِ أَصْحَابُ الْكَهْفِ، وَعَلَى هَذَا هُوَ مِنْ رَقْمَةِ الْوَادِي وَهُوَ جَانِبُهُ، وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: هُوَ اسْمٌ لِلْقَرْيَةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَصْحَابُ الْكَهْفِ، وَقِيلَ: اسْمٌ لِلْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الكهف، ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ.
[١٠] فَقَالَ: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ﴾ [الكهف: ١٠] أي صاروا إليه، يُقَالُ: أَوَى فَلَانٌ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا أَيِ: اتَّخَذَهُ مَنْزِلًا ﴿إِلَى الْكَهْفِ﴾ [الْكَهْفِ: ١٠] وَهُوَ غَارٌ فِي جَبَلِ مخلوس وَاسْمُ الْكَهْفِ: خَيْرَمُ. ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ [الكهف: ١٠] وَمَعْنَى الرَّحْمَةِ الْهِدَايَةُ فِي الدِّينِ. وقيل: الرزق، ﴿وَهَيِّئْ لَنَا﴾ [الكهف: ١٠] يَسِّرْ لَنَا، ﴿مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ [الكهف: ١٠] أي: ما نلتمس من خير رِضَاكَ وَمَا فِيهِ رُشْدُنَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَشَّدَا أَيْ: مَخْرَجًا مِنَ الْغَارِ فِي سَلَامَةٍ.
[١١] ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ﴾ [الكهف: ١١] أَيْ أَنَمْنَاهُمْ وَأَلْقَيْنَا عَلَيْهِمُ النَّوْمَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَنَعْنَا نُفُوذَ الْأَصْوَاتِ إِلَى مَسَامِعِهِمْ، فَإِنَّ النَّائِمَ إِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ يَنْتَبِهُ، ﴿فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾ [الكهف: ١١] أَيْ: أَنَمْنَاهُمْ سِنِينَ مَعْدُودَةً وَذِكْرُ الْعَدَدِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ. وَقِيلَ: ذِكْرُهُ يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ لَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ.
[١٢] ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ﴾ [الكهف: ١٢] يعني من نومهم، ﴿لِنَعْلَمَ﴾ [الكهف: ١٢] أَيْ: عِلْمَ الْمُشَاهَدَةِ ﴿أَيُّ الْحِزْبَيْنِ﴾ [الكهف: ١٢] أَيُّ: الطَّائِفَتَيْنِ، ﴿أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾ [الكهف: ١٢] وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ تَنَازَعُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ ﴿أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ١٢] حفظ لِمَا مَكَثُوا فِي كَهْفِهِمْ نِيَامًا أَمَدًا أَيْ: غَايَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَدَدًا وَنَصْبُهُ عَلَى التَّفْسِيرِ.
[١٣] ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ [الكهف: ١٣] نقرأ عليك ﴿نَبَأَهُمْ﴾ [الكهف: ١٣] خبر أصحاب الكهف. ﴿بِالْحَقِّ﴾ [الكهف: ١٣] بالصدق ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ﴾ [الكهف: ١٣] شُبَّانٌ، ﴿آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ [الكهف: ١٣] إيمانا وبصيرة.
[١٤] ﴿وَرَبَطْنَا﴾ [الكهف: ١٤] شددنا، ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [الكهف: ١٤] بِالصَّبْرِ وَالتَّثْبِيتِ وَقَوَّيْنَاهُمْ بِنُورِ الْإِيمَانِ حَتَّى صَبَرُوا عَلَى هِجْرَانِ دَارِ قَوْمِهِمْ وَمُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ من خفض الْعَيْشِ وَفَرُّوا بِدِينِهِمْ إِلَى الْكَهْفِ، ﴿إِذْ قَامُوا﴾ [الكهف: ١٤] بَيْنَ يَدَيْ دِقْيَانُوسَ حِينَ عَاتَبَهُمْ عَلَى تَرْكِ عِبَادَةِ الصَّنَمِ، ﴿فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا﴾ [الكهف: ١٤] قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْمَهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، ﴿لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ [الكهف: ١٤] يَعْنِي إِنْ دَعَوْنَا غَيْرَ اللَّهِ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَوْرًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَذِبًا. وَأَصْلُ الشَّطَطِ وَالْإِشْطَاطِ مُجَاوَزَةُ القدر والإفراط.
[١٥] ﴿هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا﴾ [الكهف: ١٥] يَعْنِي أَهْلَ بَلَدِهِمْ، ﴿اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ﴾ [الكهف: ١٥] أَيْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، ﴿آلِهَةً﴾ [الكهف: ١٥] يعني الأصنام يعبدونها، ﴿لَوْلَا﴾ [الكهف: ١٥] أي هلا، ﴿يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ﴾ [الكهف: ١٥] أَيْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ، ﴿بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾ [الكهف: ١٥] بحجة واضحة، ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الكهف: ١٥] وزعم أَنَّ لَهُ شَرِيكًا أَوْ وَلَدًا.
[قوله تعالى وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ]....
[١٦] ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ﴾ [الكهف: ١٦] يعني قومكم، ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾ [الكهف: ١٦] قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهَ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ فَمَعْنَاهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الله ويعبدون معه الأوثان يقول: إذا اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَجَمِيعَ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا الله فإنكم لم تعتزلوا، ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ [الْكَهْفِ: ١٦] فَالْجَأُوا إِلَيْهِ، ﴿يَنْشُرْ لَكُمْ﴾ [الكهف: ١٦] يَبْسُطْ لَكُمْ، ﴿رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ﴾ [الكهف: ١٦] يُسَهِّلْ لَكُمْ، ﴿مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا﴾ [الكهف: ١٦] أَيْ: مَا يَعُودُ إِلَيْهِ يُسْرُكُمْ وَرِفْقُكُمْ. قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ (مَرْفِقًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ الْإِنْسَانُ.
[١٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ﴾ [الكهف: ١٧] قرأ ابن عامر ويعقوب: بِسُكُونِ الزَّايِ


الصفحة التالية
Icon