عَذَابًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَارًا. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: مرامي. ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الكهف: ٤٠] وَهِيَ مِثْلُ صَاعِقَةٍ أَوْ شَيْءٍ يُهْلِكُهَا، وَاحِدَتُهَا حُسْبَانَةٌ، ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ [الكهف: ٤٠] أَيْ أَرْضًا جَرْدَاءَ مَلْسَاءَ لَا نَبَاتَ فِيهَا. وَقِيلَ: تَزْلَقُ فِيهَا الْأَقْدَامُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: رَمْلًا هَائِلًا.
[٤١] ﴿أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا﴾ [الكهف: ٤١] أَيْ: غَائِرًا مُنْقَطِعًا ذَاهِبًا لَا تناله الأيدي، ولا الدلاء، والغور مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، مِثْلُ زَوْرٍ وَعَدْلٍ، ﴿فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾ [الكهف: ٤١] يَعْنِي: إِنْ طَلَبْتَهُ لَمْ تَجِدْهُ.
[٤٢] ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [الكهف: ٤٢] أَيْ أَحَاطَ الْعَذَابُ بِثَمَرِ جَنَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ عَلَيْهَا نَارًا فَأَهْلَكَتْهَا وَغَارَ مَاؤُهَا، ﴿فَأَصْبَحَ﴾ [الكهف: ٤٢] صاحبها الكافر ﴿يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ [الكهف: ٤٢] أَيْ يُصَفِّقُ بِيَدِهِ عَلَى الْأُخْرَى وَيُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ تَأَسُّفًا وَتَلَهُّفًا، ﴿عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾ [الكهف: ٤٢] أي ساقطة، ﴿عَلَى عُرُوشِهَا﴾ [الكهف: ٤٢] سُقُوفِهَا، ﴿وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٢]
[٤٣] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ﴾ [الكهف: ٤٣] جَمَاعَةٌ، ﴿يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الكهف: ٤٣] يَمْنَعُونَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا﴾ [الكهف: ٤٣] ممتنعا منتقما لَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِصَارِ لِنَفْسِهِ. وَقِيلَ: لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّ مَا ذَهَبَ عَنْهُ.
[٤٤] ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ﴾ [الكهف: ٤٤] يَعْنِي فِي الْقِيَامَةِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (الوِلاية) بِكَسْرِ الْوَاوِ، يَعْنِي السُّلْطَانَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنَ الْمُوَالَاةِ وَالنَّصْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٧] قال القتيبي: يريد أنهم يتلونه يَوْمَئِذٍ وَيَتَبَرَّءُونَ مِمَّا كَانُوا يَعْبُدُونَ. وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ الرُّبُوبِيَّةُ وَبِالْكَسْرِ الْإِمَارَةُ، ﴿الْحَقُّ﴾ [الكهف: ٤٤] بِرَفْعِ الْقَافِ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ عَلَى نَعْتِ الْوِلَايَةِ، وَتَصْدِيقُهُ قِرَاءَةُ أبي: (هنالك الولاية الحق لله)، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْجَرِّ عَلَى صِفَةِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٦٢] ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا﴾ [الكهف: ٤٤] أَفْضَلُ جَزَاءً لِأَهْلِ طَاعَتِهِ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ يُثِيبُ، ﴿وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ [الكهف: ٤٤] أَيْ عَاقِبَةُ طَاعَتِهِ خَيْرٌ مِنْ عَاقِبَةِ طَاعَةِ غَيْرِهِ، فَهُوَ خَيْرٌ إثابة، وعاقبة: طَاعَةٌ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ (عُقْبًا) سَاكِنَةَ الْقَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّهَا.
[٤٥] قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ﴾ [الكهف: ٤٥] يَا مُحَمَّدُ أَيْ لِقَوْمِكَ: ﴿مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الكهف: ٤٥] يَعْنِي الْمَطَرَ، ﴿فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٢٤] خَرَجَ مِنْهُ كُلُّ لَوْنٍ وَزَهْرَةٍ، ﴿فَأَصْبَحَ﴾ [الكهف: ٤٥] عن قريب ﴿هَشِيمًا﴾ [الكهف: ٤٥] يا بسا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ الضَّحَاكُ: كَسِيرًا. وَالْهَشِيمُ: مَا يَبِسَ وَتَفَتَّتَ مِنَ النَّبَاتَاتِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا، ﴿تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾ [الكهف: ٤٥] قال ابن عباس: تفرقه الرياح. وقال أبو عبيدة مثله. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: تَنْسِفُهُ، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف: ٤٥] قادرا.
[قوله تعالى الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ] الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا....
[٤٦] ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ﴾ [الكهف: ٤٦] الَّتِي يَفْتَخِرُ بِهَا عُتْبَةُ وَأَصْحَابُهُ الأغنياء، ﴿زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ٤٦] لَيْسَتْ مِنْ زَادِ الْآخِرَةِ، قَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمَالُ وَالْبَنُونَ حَرْثُ الدُّنْيَا وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ حَرْثُ الْآخِرَةِ، وَقَدْ يَجْمَعُهَا اللَّهُ لِأَقْوَامٍ. ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: هِيَ قَوْلُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ الْكَلَامِ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ والله أكبر» (١). وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَسْرُوقٌ وإبراهيم: الباقيات الصَّالِحَاتُ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾ [الكهف: ٤٦] أَيْ جَزَاءً، الْمُرَادُ ﴿وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: ٤٦] أَيْ مَا يُأَمِّلُهُ الْإِنْسَانُ.
[٤٧] ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ [الكهف: ٤٧] قرأ ابن كثير وأبو
_________
(١) أخرجه البخاري تعليقا في الأيمان والنذور ١١ / ٥٦٦ ومسلم من حديث سمرة بن جندب ٣ / ١٦٧٥ والنسائي وابن حبان. انظر فتح الباري ١١ / ٥٦٧.


الصفحة التالية
Icon